انفصام الشخصية.. أحد أثار التعذيب في سجون نظام الأسد
مي الحمصي – راديو الكل
ما بين حلم بالحرية لم تزهر براعمه وجدران معتقل عفنة آلاف الشبان والشابات، زُجوا دونما أي رحمة في الأقبية على عجل، ليمارس بحقهم أبشع أنواع التعذيب الجسدي، فقط لأنهم خالفوا نظام متغطرس، وأرادوا إزاحة ظلمه عن وجه سوريا، ليتسنى لشمس الحرية أن تشرق من جديد.
هناك في أقبية الظلم والظلام، تتعالى الجدران لتمنع كل أصوات الحياة وأضوائها من الوصول، فهناك لا مكان إلا للألم، ولا وقت إلا له، ولا صوت يعلو فوق خطوات السجان وأنين المعتقلين، هناك حيث تعلو الأجساد عفونة الجدران، واضعة النقطة الأخيرة في سطر حياة أحدهم.
فما بين سوط الجلاد التقليدي وأدواته الجديدة المبتكرة للتعذيب، يقبع مئات وربما آلاف المعتقلين يوميا، من أصل أكثر من 215 ألف معتقل حسب تقديرات الشبكة السورية لحقوق الإنسان. يقبعون في ظروف أقل ما يقال عنها لا إنسانية، ليُمارس ضدهم التعذيب النفسي والجسدي الممنهج تاركا بعضهم في مهب الأمراض النفسية والجسدية، وفق ما أفادنا المعتقل السابق والناشط الإعلامي “خالد التلاوي” الذي تحدث عن أساليب التعذيب التي يتعرض لها المعتقل من شبح وضرب وخنق وانتهاكات جنسية، مشيرا إلى استخدام وسيلة التعذيب بالكرسي الكهربائي مع بعض المعتقلين لانتزاع أكبر قدر من المعلومات منه، وتودي وسيلة التعذيب الأخيرة بحياة المعتقل أو لإصابته بمرض انفصام الشخصية في حال تجاوزت مدتها حد معين.
وانفصام الشخصية أو ما يعرف بين المعتقلين باسم “فَصَل” هي حالة يصل إليها المريض بعد عدة جلسات من التعذيب، فيبدو كمن يعيش في عالمه الخاص، وهو مرض يصيب المعتقل نتيجة تراكم الأحداث السيئة التي مرت عليه منذ لحظة اعتقاله وفق أخصائي الأمراض النفسية “علاء جنيد” الذي فصّل مراحل الإصابة بمرض الانفصام، والتي تبدأ بالمرحلة الانعزالية والتي تتمثل بعدم رغبة المعتقل بالأكل والشرب والضحك والاهتمام بالنفس، وتتطور هذه المرحلة ليصاب بالمرحلة الذُهانية إذ يبدأ بتخيل العديد من الأشياء والأصوات ويصاب بالخوف من المستقبل وتتعاظم رغبته بالموت.
وهنا تبدأ شخصية المريض بالتفكك، ومن ثم ينتقل المريض إلى مرحلة الذُهان الاكتئابي، وفيها يصبح المريض متشائم ويظن أن جميع الناس يتآمرون عليه، (يهمل نظافته، ينام كثيرا ويفكر بشكل دائم بالانتحار)، وهناك العديد من المعتقلين انتحروا عند الوصول إلى هذه المرحلة من المرض، وما بعد الحالة الذُهانية الاكتئابية يصاب المريض بانفصام الشخصية ما لم يتم تداركها بالعلاج قبل ذلك، وبمجرد وصول المريض يصبح العلاج أكثر تعقيدا ويستغرق وقتا أطول.
وينقسم علاج مريض الانفصام لشقين، أولهما، شق طبي ويعطى خلالها المريض أدوية نفسية وفي بعض الحالات تُستخدم الصدمات الكهربائية المدروسة بشكل منهجي وطبي، وفي حال كان نسبة الإصابة بالمرض تزيد عن 40 بالمئة فالمريض بحاجة إلى العلاج في المستشفى.
وبالانتقال إلى الشق الثاني من العلاج والنفسي الذي يشرف عليه الطبيب المختص الذي يجب أن يكون حذرا لاكتساب ثقة المريض، والهدف من هذا العلاج التخفيف من حدة المرض وإعادة ثقة المريض بنفسه وبمحيطه، وفق “جنيد” الذي لفت أن المريض في هذه المرحلة قد يتخيل مواضيع غير موجودة لذا يجب على الأهل عدم تكذيب المريض كي لا يخسر ثقتهم، مشددا على عدم ترك المريض مع الأطفال وحيدا حفاظا على سلامتهم.
يذكر أن منظمة العفو الدولية، أصدرت تقريرا في الـ 7 من شباط الجاري بعنوان “مسلخ بشري” تحدثت فيه عن تصفية قوات نظام الأسد لأكثر من 13 الف معتقل في سجن صيدنايا سيئ الصيت شنقا وبسرية تامة.
التقرير أثار العديد من ردود الأفعل على مستوى العالم، الذي تعامى على مدار الست سنوات الماضية عن قضية المعتقلين المنسيين في أقبية الأسد، بعضهم بات في عداد الموتى بعدما قُتل تعذيبا دون أن تحرك صرخاته المخنوقة ضمير الإنسانية، والبعض الآخر ينتظر بما تبق لديه من صبر أن يخرج من غياهب العتمة لتلسع شمس الحرية بأناملها جبينه ذات يوم وربما ذات صحوة حقيقة للعالم الإنساني يتمخض عنه تحرك جدي لإزاحة نظام الأسد وتبييض معتقلاته ولحين ذلك الوقت ستبق آلاف أحلام المعتقلين بالحرية قيد الانتظار.