“حزب الله” وإسرائيل، حدود ملتهبة وحرب محتملة
مع حرب مستمرة بين إسرائيل وحركة “حماس” وفصائل فلسطينية في قطاع غزة، تزداد حدة التوتر الأمني على حدود لبنان الجنوبية، وسط مخاوف من اتساع دائرة المواجهات لتتطور إلى حرب مفتوحة بين “حزب الله” وإسرائيل.
وعقب إطلاق حركة “حماس” عملية “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر ضد إسرائيل، برزت في لبنان عدة تساؤلات حول مدى توسع العمليات العسكرية بين “حزب الله” وإسرائيل جنوب لبنان، لـ”مساندة المقاومة الفلسطينية ولتخفيف الضغط الإسرائيلي عنها وفق مبدأ وحدة ساحات المقاومة”.
ومنذ الهجوم الذي شنته “حماس” وفصائل فلسطينية على إسرائيل في السابع من أكتوبر، أعلن “حزب الله” أنه “ليس على الحياد بخصوص ما يجري في قطاع غزة”، وباشر بعمليات عسكرية على الحدود الجنوبية ضد الجيش الإسرائيلي الذي رد بقصف مواقع في الجنوب اللبناني.
بدوره، توعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بأنه “إذا دخل حزب الله الحرب سيؤدي ذلك إلى دمار لا يمكن تخيله للحزب ولبنان”، وفي جولة له على الحدود مع لبنان، أضاف: “لست متأكداً بعد من نية حزب الله بشأن دخول الحرب”.
وفي 22 أكتوبر الجاري، حذر وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، من أن “الولايات المتحدة لن تتردد في التحرك عسكريا ضد أي منظمة أو بلد يسعى إلى توسيع النزاع في الشرق الأوسط بين إسرائيل وحماس”.
وبرأي مراقبين، فإن ما يحصل على حدود لبنان الجنوبية “يقع ضمن قواعد الاشتباك بين حزب الله وإسرائيل في سياق القرار الدولي 1701 الصادر عام 2006 عن مجلس الأمن الدولي”، رغم توسع دائرة الاشتباكات والتصعيد الأمني المتبادل بين الطرفين.
ومنذ عام 2006 تم تحديد ما عُرف بـ”قواعد اشتباك بين حزب الله وإسرائيل”، وتتمثل بأن أي رد سيقابله رد مماثل، فيما حصلت خروقات عدة منذ ذلك الحين، ولكنها لم تتطور إلى حرب أو معركة.
مناطق تماس بين “حزب الله” وإسرائيل
منذ انطلاق المعارك العسكرية بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية بقطاع غزة في 7 أكتوبر، انتقل الصراع إلى حدود لبنان الجنوبية، حيث يتركز نشاط “حزب الله” العسكري في 3 قطاعات بمنطقة جنوب نهر الليطاني منزوعة السلاح بحسب القرار الأممي 1701.
والقرار 1701، تبناه مجلس الأمن الدولي في أغسطس/ آب 2006، لوقف كل العمليات القتالية بين لبنان وإسرائيل، عقب حرب بين الأخيرة و”حزب الله” استمرت 33 يوما.
ورغم القرار الأممي، فإن قطاعات الغربي والأوسط والشرقي بمنطقة جنوب الليطاني، ظلت تمثل نقاط تماس بين مقاتلي “حزب الله” والجيش الإسرائيلي.
يشتمل القطاع الشرقي على نقاط استراتيجية بداية من منطقة ميس الجبل وحولا ومركبة وغيرها، وهي مناطق تعد قواعد أساسية لعمليات ينفذها مقاتلو الحزب حاليا، إذ تشرف على مواقع مراقبة ونقاط عسكرية إسرائيلية، بجانب بلدة كفركلا القريبة من بلدة المطلة.
كما يضم القطاع الشرقي مزارع شبعا المحتلة من طرف إسرائيل والتي شهدت أولى عمليات الحزب ضد مواقع إسرائيلية في التوتر الحالي، مثل رويسات العلم والرادار، ويقوم الطيران الإسرائيلي باستهداف نقاط تمركز للحزب فيها، علاوة على بلدة كفرشوبا الحدودية.
أما القطاع الأوسط فيعد معقل “حزب الله” الشعبي والعسكري، ويضم مواقع استراتيجية مثل عيتا الشعب ومارون الراس وبنت جبيل وعيترون. وتعد بلدة مارون الراس النقطة الأهم لـ”حزب الله” حيث تطل على مستوطنة “أفيفيم” الإسرائيلية.
بينما يضم القطاع الغربي منطقة الناقورة وبلدات يارين والضهيرة ومروحين وعلما الشعب وتوجد به قوات الطوارئ الدولية “يونيفيل” والجيش اللبناني، ويمثل هذا القطاع منطلقا للعمليات العسكرية التي ينفذها “حزب الله” وفصائل فلسطينية ضد المواقع الإسرائيلية.
هجمات على مواقع إسرائيلية
بعد أسبوعين من بدء الحرب على غزة، وتصاعد الاحتكاك العسكري على الحدود مع لبنان، يعلن “حزب الله” على الدوام استهداف مواقع إسرائيلية بصواريخ موجهة على طول الحدود الجنوبية، مثل موقع البياض وبليدا والمالكية والعبّاد ومسكاف عام.
كما أعلن استهداف موقع رويسات العلم في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وثكنة دوفيف وثكنة هونين المحتلة (راميم) وموقع حانيتا وثكنة برانيت وموقعي بركة ريشا وراميا.
في حين تعلن فصائل فلسطينية إطلاق رشقات صاروخية على مستوطنات إسرائيلية في الشمال قريبة من الناقورة إضافة إلى عدة عمليات.
مشاركون وخسائر
بجانب “حزب الله”، تشارك في الهجمات ضد إسرائيل منذ 7 أكتوبر عدة فصائل فلسطينية ولبنانية، منها “سرايا القدس” التابعة لحركة الجهاد الإسلامي (فلسطينية) و”كتائب القسام – لبنان” التابعة لحركة “حماس” (فلسطينية).
وبجانب الفصائل الفلسطينية، تتبنى الهجمات ضد إسرائيل أيضا “قوات الفجر” التابعة للجماعة الإسلامية (لبنانية) و”سرايا المقاومة” وهي كتائب لبنانية يدعمها “حزب الله” من غير الطائفة الشيعية.
وجراء الهجمات والهجمات المضادة في المناطق المشتعلة في الحدود الجنوبية، قتل في لبنان حتى 23 أكتوبر الجاري 30 عنصرا من “حزب الله” وعنصران من “سرايا المقاومة” و3 من “كتائب القسام – لبنان”، و6 من “سرايا القدس”، إضافة إلى سقوط 4 مدنيين بينهم صحافي.
نزوح لبناني وإغلاق مدارس
منذ بدء عملية “طوفان الأقصى” التي أطلقتها حركة “حماس” وفصائل فلسطينية في غزة، وازدياد التصعيد العسكري على الحدود الجنوبية بين “حزب الله” اللبناني والجيش الإسرائيلي، ازدادت حركة النزوح للسكان في القرى المتاخمة للحدود جنوب لبنان، باتجاه المناطق الأكثر أمنا.
ووفق آخر إحصاء لمصفوفة تتبع النزوح العالمي التابعة للأمم المتحدة (بيان يوم 23 أكتوبر) “فر حوالي 19,646 شخصًا في الفترة بين 10 و21 أكتوبر، معظمهم من جنوب لبنان ومناطق أخرى في البلاد من منازلهم بسبب حوادث على الحدود الجنوبية اللبنانية”.
علاوة على النزوح، جدد وزير التربية اللبناني عباس الحلبي، قرار إقفال المدارس والمعاهد الرسمية والخاصة الواقعة في المناطق الحدودية الجنوبية، نظرا للتوتر الأمني المتزايد منذ أكثر من أسبوعين.
حراك سياسي لإبعاد شبح الحرب
وخوفا من تحول التوتر الأمني جنوب البلاد إلى حرب، دعا رئيس حكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، في 22 أكتوبر الجاري اللبنانيين إلى “الوثوق بأنه مستمر في الجهد المطلوب لإبعاد كل أذى عن لبنان”.
وأوضح ميقاتي في بيان، أن “الاتصالات الدبلوماسية التي نقوم بها دوليا وعربيا واللقاءات المحلية مستمرة في سبيل وقف الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان وجنوبه تحديدا، ومنع تمدد الحرب الدائرة في غزة إلى لبنان”.
وبالتوازي مع وضع بيروت “خطة طوارئ” في حال حدثت حرب مع إسرائيل، قال وزير الخارجية اللبناني عبدالله بوحبيب، إن “الاستفزاز يصدر عن المسؤولين الإسرائيليين، فيما لم يصدر عن حزب الله أي خطاب استفزازي والدليل أن نصر الله (زعيم حزب الله) لم يدل بأي تصريح بعد، ما يعني أنه ضد التصعيد وحوارنا دائم مع الحزب”.
وأوضح بوحبيب في تصريحات صحفية أن “حماس أبلغت إيران وحزب الله أنها قادرة على الصمود لأشهر خلال المعركة البرّية، لذا لن يتدخل الحزب بمجرد اجتياح غزة إلا إذا كان كبيرا أو بحال الاعتداء الكبير على لبنان”.
وقبل التصعيد الأخير على الحدود الجنوبية، ظل لبنان يتهم إسرائيل بممارسة خروقات جوية وبرية وبحرية متكررة لحدوده، في وقت لا تزال تل أبيب تحتل جزءا من الأراضي اللبنانية تقدر مساحتها بأكثر من 200 كيلومتر مربع، بعد انسحابها عام 2000 من الجنوب اللبناني الذي احتلته لأكثر من عقدين.