صناعة الغزل والنسيج في سوريا تحتضر.. وحكومة النظام تعجز عن إنقاذها
شكّلت صناعة الغزل والنسيج عبر عقود أحد أهم القطاعات الاستراتيجية في سوريا، وذلك بسبب توافر الأقطان ذات الجودة العالية وكفاءة اليد العاملة، ووصلت شهرة بعض المنتجات النسيجية كأقمشة الدامسكو والبروكار والأغباني إلى جميع أنحاء العالم.
عدت صناعة النسيج والغزل ثاني أكبر دخل للاقتصاد السوري، فقد كانت تسهم قبل عام ألفين وأحد عشر باثني عشر بالمئة من الناتج المحلي الصافي، وحوالي ثلاثة وستين بالمئة من الناتج الصناعي، ويعمل فيها ما يقارب ثلاثة وثلاثين بالمئة من السوريين، إلا أن الصناعات النسيجية تراجعت كثيراً على امتداد السنوات الخمس الأخيرة بفعل عوامل عديدة، بدءاً بقصف النظام لمراكز الإنتاج الزراعي والصناعي، وليس انتهاء بتهجيره اليد العاملة ودفعه معظم رؤوس الأموال إلى الهرب خارج البلاد، ما تسبب بخروج اثنتي عشر شركة عن الخدمة، من أصل خمسة وعشرين شركة للغزل والنسيج والسجاد والنايلون والجوارب والألبسة الجاهزة يملكها القطاع العام في محافظات دمشق وحلب وحمص وإدلب ودير الزور، فيما لا يزيد الإنتاج السنوي للشركات التي لا تزال عاملة حتى الآن عن خمسة بالمئة، بسبب عدم توفر المواد الأولية والانقطاعات الدائمة للكهرباء، كما انخفض عدد الأيدي العاملة في هذا القطاع من اثنين وثلاثين ألف عامل إلى ثمانية عشر آلاف عامل اليوم.
المؤسسة العامة للصناعات النسيجية؛ وفي تقريرها الأخير الصادر نهاية العام المنصرم، قالت بأن المؤسسة لم تنتج حتى بداية شهر أغسطس الماضي سوى ما قيمته ثلاث مليارات ليرة، من أصل ثمانية عشر مليار ليرة مخطط له، وبمعدل تنفيذ ستة عشر بالمئة، في وقت انخفض فيه الإنتاج من النسيج القطني إلى خمسة عشر ألف طن بعد أن بلغ مئتي ألف طن، وذلك بسبب تراجع إنتاج القطن اللازم لتشغيل معامل الغزل من مئتي ألف طن عام ألفين وثلاثة عشر إلى نحو مئة وخمسين طن خلال العام الماضي، فضلاَ عن أن مناطق زراعة القطن الأساسية تقع تحت سيطرة تنظيم داعش في الرقة ودير الزور وريف حلب الشرقي، كما أن المحالج تقع في نفس المحافظات.
تراجع الصناعة النسيجية في سوريا وصلت تداعياته إلى المناطق العربية المجاورة التي لطالما اعتمدت صناعتها ومبيعاتها على النسيج السوري، ويمكن القول إن “صناعة الغزل والنسيج”، قاطرة الاقتصاد السوري التي تعود بتاريخها إلى آلاف السنين تلفظ اليوم أنفاسها الأخيرة، في وقت تبدو فيه محاولات النظام لإنقاذها خجولة أمام حجم الإجراءات التي يتخذها لتمويل حربه المستمرة ضد شعبه وأبناء جلدته.
ولمناقشة أسباب تراجع هذه الصناعة والأطراف المسؤولة عن ذلك أجرى راديو الكل حوار مع الخبير الإقتصادي السيد “فهد باشا”، حيث أشار في بداية حديثه إلى أن صناعة الغزل والنسيج تعد ثاني أكبر مورد للإقتصاد في سوريا، حيث أنها كانت تشكل 46% من الناتج القومي و8% من مجمل الصادرات، كذلك كانت تقدم فرص عمل لأكثر من 5 ملاييين شخص ما يعادل 30% من اليد العاملة السورية.
مضيفاً أن هذه الأرقام لم تتأثر إلا مع نهاية عام 2012 عندما انتقلت آلة الحرب لتضرب محافظة حلب المدينة الأساسية في هذا المجال على الرغم من توزع صناعة الغزل والنسيج في عدة مناطق سورية، فلم يراعي الصدام المسلح العنيف المبادئ والمصالح الوطنية إذ تم ضرب جميع الصناعات بشكل رئيسي في حلب وكان أهمها الغزل والنسيج، لينشاً بعد ذلك حالة من عدم الأمن والإستقرار وسط وجود مجموعات مسلحة منها عائد للنظام ومنها لمجموعات آخرى قامت بسرقة البلد وفرض أتاوات على أصحاب المصانع ما ولّد بيئة غير قادرة على العمل.
وأشار “باشا” في السياق إلى أن الأمر تفاقم فيما بعد بسبب انقطاع التيار الكهربائي وصعوبة توفير المواد الأولية وتراجع سعر صرف الليرة السورية، وتوقف العديد من المصانع عن العمل وهجرة اليد العاملة ورؤوس الأموال وغيرها من الأسباب والتي كان أهمها فقدان المساحات الزراعية لإنتاج القطن، تحديداً بعد استيلاء تنظيم داعش وغيره من التنظيمات على مناطق شمال شرق سوريا في الحسكة والرقة.
وعن تدابير حكومة النظام مثل تقديم القروض والدعوة إلى الخصخصة، اعتبر الخبير الإقتصادي أن هذه التصريحات عبارة عن “ذر الرماد في العيون” تحديداً في ظل عدم وجود مناطق آمنة لعمل المصانع والتي لا يتوافر لها التيار الكهربائي القادرة على التشغيل، وبالنسبة لخطة عام 2016 لإنقاذ صناعة الغزل والنسيج، أفاد بأن النظام يريد رهن مستقبل الأجيال من خلال قيام إيران بالإستثمار في سوريا باسم الشريك الأول في إعادة بناء البلد عبر خطة سلام مشبوهة، وهو ما سيؤدي إلى مزيد من السيطرة الإيرانية من حيث الإرهاب والإقتصاد.
وتطرق في مستهل كلامه إلى مرسوم الحكومة التركية بإنشاء منطقة صناعية حرة قرب منطقة كلس الحدودية مع سوريا، حيث قال “باشا” “لا شك إنها خطوة جيدة للمحافظة على جزء بسيط من النهضة التي وصلت إليها صناعة الغزل والنسيج السورية، لكن هذا الجزء لا يتجاوز 10% مما كانت عليه الصناعة في سوريا سابقاً”، مضيفاً أن المرسوم لا يمكن اعتباره نقلة اقتصادية ذات أرقام فعّالة في الوقت الحاضر، مشيراً بالمقابل إلى إمكانية أن تكون هذه الخطوة نهضة مستقبلية.
وأكد الخبير الإقتصادي في ختام تصريحاته أن صناعة الغزل والنسيج بيئة متكاملة لا يمكن تجزئتها على مختلف الأصعدة، لافتاً إلى وجود كافة الخبرات والإمكانيات لإعادة بناء سوريا حين توفر الأمن وتمكن سوريا من الإنتهاء من جلادها وبناء الدولة الديمقراطية.