عشر سنوات من عمر الثورة هل ينجح مسار “الشعب السوري واحد” بعد فشل مسار التغيير السياسي؟
محللون: الانقسام الذي أحدثه النظام في المجتمع يتلاشى والسوريون يتوحدون حول الأهداف العامة
مسارات متعددة ومتكاملة متفاوتة الخطوات والتسارع، لكنها تشكل مجتمعة بنية الثورة بشكلها الشامل، وتتعدد طرق الوصول إلى إنجازها بحسب الظروف والمعطيات وما يعترضها خلال مسيرة انطلاقها، إلا أن الثابت بالنسبة للثورة السورية هي أنها بقيت ثابتا في ضمير ووجدان السوريين بمجمل تلك المسارات على الرغم من النظام أغرقها بالدم، وواجه ومن معه من دول العالم بوحشية مطالب الشعب في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.
وحشية النظام وروسيا وإيران أوقفت بعض مسارات الثورة ومن أبرزها التغيير السياسي إلا أنها في الوقت نفسه خلخلت أيضا البنى الاقتصادية والثقافية والديمغرافية خلافا لإرادة السوريين، ما يؤسس لإرهاصات من شأنها إعطاء دفع لهم بسمات جديدة مبنية على رفض وجود محتلين استدعتهم عصابة حاكمة انكشفت لا وطنيتها وعمالتها للأجنبي وتوضحت صورتها بشكل جلي من خلال إغراق البلاد بالأزمات بسبب نهب الثروات.
ولا خلاف بين السواد الأعظم من السوريين في التوجه العام، وإن تعددت طرق التعبير عنه، ففي إدلب عبر الأهالي الموجودين فيها من خلال المظاهرات عن تصميمهم على مواصلة الثورة
وفي مناطق البلاد الأخرى تزداد مع ازدياد معاناة الأهالي أشكال التعبير عن رفض الواقع الجديد الذي تسبب به النظام والقوى المحتلة الأخرى وهو ما يظهر على شكل منشورات وتحركات إذ لم يعد هناك بيت سوري واحد إلا وألحقت به الأضرار بشكل أو بآخر، والنظام الآن في خوف من انهياره كما يقول الناشط السياسي غزوان عدي
السوريون توحدوا حول الأهداف العامة في الحرية والكرامة.
وبرأي المحلل السياسي محمود عثمان فإنه في المرحلة الحالية هناك توحد بين السوريين على صعيد الأهداف العامة والآمال والتفاف كامل بينهم حول أهداف الحرية والكرامة إلا أنه من المبكر الحديث عن آلية تأخذ زمام المبادرة، ولا سيما أن من يدير الساحة أجهزة الأمن التي لديها أدوات متعددة لتحويل توجهات الأهالي، وأيضا لا تزال القوى الكبرى موجودة في دائرة التأثير.
واستدرك عثمان بأن النظام لا يزال يلعب على شريحة استثمرها في حربه، وبدأنا الآن نسمع صوتها، وبشار الأسد لا يستطيع الرد على تساؤلاتها ولذلك يلجأ إلى استدرار عطف الناس بادعاء المرض وغير ذلك.
وقال عثمان إنه بعد عشر سنوات على انطلاق الثورة فإن الشعب السوري يؤكد الاستمرار بها حتى نيل الحرية والكرامة وهو ما يفقد شرعية النظام حتى لودعمه المجتمع الدولي بأجمله مشيرا إلى أن جزءا كبيرا من المجتمع الدولي مقتنع بأن النظام لا يمكن أن يستمر والجانب الروسي يريد ثمنا للابتعاد عن النظام.
ويتفق زهير سالم مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية مع رأي عثمان بأن المظاهرات التي انطلقت أمس في المناطق المحررة تؤكد أن الثورة لا تزال حية في نفوس وقلوب السوريين.
ويقول زهير سالم إن الظلم لا يمكن إلا أن يؤدي إلى ثمار مرة وتلك الشرائح التي شغلها النظام في أجهزة حربه الظالمة هم وقود لثورة متكاملة وربما تتوسع من خلالهم دائرة الثورة ولا سيما أن الدائرة الآن تضيق حول بشار الأسد بينما دائرة الفقر تتسع وهو أصبح من الماضي بحكم الواقع والسياسية ولكن هناك من يريد أن يبقيه مسلطا على رقاب الشعب السوري.
ويشير سالم إلى أنه لو ترك النظام لتصرفاته وثمار سياساته لكان انتهى منذ الأشهر الأولى للثورة، وهو الآن أشبه بمريض سرطان يعيش على نقل الدم وستأتي لحظة سقوطه لا محالة فالأنظمة لا تعيش على عمليات نقل الدم.
الانقسام الذي أحدثه النظام في المجتمع يبدو في طريقه إلى التلاشي، مع مساواة النظام الأهالي في القمع الإقتصادي كما السياسي وغيره، ليس لأن هذا الانقسام استنفذ المهمة التي وظفها له النظام، بل لأن دور النظام فيه انكشف للكثير من الأهالي ولا سيما من خلال استثمار ثروات مناطق سيطرته لقمع الثورة وذلك على وقع تفاقم أزمة البلاد المعيشية التي أوصلت أكثر من 90 بالمئة منهم إلى مادون خط الفقر .
وإذا كان الفقر لا يصنع ثورة وأيضا كما يتحدث الكثيرون بأن من لم يقم من أجل كرامته لا يعول عليه بالاحتجاج من أجل الخبز، فهذه قضايا تبقى جدلية إذ أن وعي أسباب الفقر الذي بدأت دائرته تتسع وتلاقي الكرامة مع لقمة العيش في الجوهر قد يكون مسارا آخر في الحالة السورية ..
ولكن من جهة أخرى فإن ما يتأسس الآن من إرهاصات في سوريا لشيء قاد، قد يشكل جزءا من مسارات الثورة، يبقى بعيدا عن دور النخب السياسية التي قد تتفاجأ بأحداث كما تفاجأت مع انطلاق الثورة ، إذ إن الأهالي في الشمال لم يقوموا بالمظاهرات بطلب من جهات سياسية إيديولوجية بل بدافع تمسكهم بالحلم الذي ضحوا من أجله وهو الثورة، وكذلك فإن ما تشهده البلاد من تحركات تأخذ أشكالا مختلفة لا تزال في مراحلها الجنينية ليست أيضا بقرار سياسي من النخب ..