في يوم المرأة العالمي.. المرأة السورية سنوات من الأعباء وحكايا أكبر من حجم التغيرات
ناشطات لراديو الكل: النظام كرس الصورة النمطية للأسرة، والحلول تبدأ من الدور التكاملي للمرأة مع الرجل
للمرأة السورية حكاية تختلف عن حكايا النسوة في مختلف أنحاء العالم كما سوريا التي باتت مختلفة منذ أن ألصق حزب البعث انقلابه في البلاد بيوم عيد المرأة وزادها اختلافا أكثر تصاعد العنف الدموي الذي قابل به النظام السوريين فتحولت المرأة إلى ناشطة أو معتقلة أو أم فقدت بيتها ﻭزوجها ﻭﺃﻃﻔﺎلها ولكن وعلى الرغم من ذلك فإن المرأة السورية وأمام شروط بقائها التي تغيرت لم تفقد ﺷﺠﺎﻋﺘﻬﺎ ﻭﺇﺻﺮﺍﺭﻫﺎ وأملها بقادم أفضل
هذا القادم لعله مرتبط أكثر بطبيعة الصياغات المختلفة لحلول هي بحجم الأعباء المتعددة التي فرضتها التغيرات الكبرى التي أصابت المجتمع السوري ولعلها باتت تقترب أكثر من عناوين اجتماعية كبرى وتاريخية تجتمع في معظمها بعنوان أكثر شمولا ينطلق من تركيب الأسرة، وهو أن المرأة والرجل جناحا طائر واحد هو المجتمع، ولا تطور بدون مشاركتهما معا في مواجهة واقع متعدد الأوجه، كما في صياغة مستقبل متعدد الاحتمالات، والبداية هي من نواة المجتمع والأساسية والتغيرات التي طرأت عليها .
لم تكن المرأة قبل الثورة تحظى بمساحة واسعة تمكنها من التعبير عن ذاتها كما كان ممنوعا عليها حل قضاياها ومشاكلها الذاتية أو قضايا المجتمع وإرهاصاته، وقد اتخذت صيرورتها أشكالاً وأساليب بدأت معها القيود بالتشكل تصاعدياً من المدرسة ومن خلال مفهومي الخضوع والانصياع التي كرستهما بشكل أوضح مناهج تدريس أيديولوجية تلقينية عملت على مدى عقود على برمجة عقل التلميذة بتعاليم ناظمة لحياتها تحت سطوة الذكورة التي تغذيها أيديولوجيا البعث والاستبداد الذي لم يعط الحرية للرجل لكي يعطيها بدوره للمرأة .
ورأت ندى الفرا رئيسة مجلس إدارة شبكة نستطيع WECAN النسائية أنه لا يوجد حرية للمرأة في ظل النظام، وكل ما يطرحه في هذا المجال هو شكلي استعراضي وإعلامي، مشيرة إلى أهمية استقلال المرأة اقتصاديا في تعزيز دورها التشاركي إلى جانب الرجل ..
وقالت المرشدة الاجتماعية نورا نحاس إن الصورة النمطية للأسرة الذي يفرض سيطرة الذكورة لا تزال تشكل مشكلة أمام مطالبة المرأة بحقوقها مشيرة إلى أهمية استيعاب المرأة للمفهوم القيمي الذي تضطلع به لافتة إلى أن للمرأة والرجل دور تكاملي في بناء الأسرة، كما أشارت إلى أن النظام لعب دورا كبيرا في تكريس صورة الأسرة النمطية ولا سيما من خلال الإعلام والدراما
الاستبداد الذي عانى منه المجتمع والمرأة بشكل خاص طيلة العقود الماضية، تحول إلى عنف مفرط ودموي مع بداية الثورة ارتبط باستخدام مختلف أنواع الأسلحة والأساليب غير المشروعة بهدف إسكات صوت المطالبين بالحرية والثائرين على عقود النظام المظلمة إذ طال بشكل أكثر قسوة المرأة من قتل واعتقال تعسفي وتعذيب ، وعنف جنسي، وتشريد قسري، وحصار، وحرمان من الرعاية الصحية والخدمات الأساسية، ووصلت العديد من هذه الانتهاكات وخاصة القتل والتعذيب والإخفاء القسري إلى معدلات هي الأسوأ في العالم “.
ولا شك أن سنوات الثورة والصراع الدامي غيرت طبيعة الأعباء التي تتحملها المرأة، فيما بدت مع ازدياد الأخطار الكبيرة التي تعرضت، ومازالت تتعرض لها، تعيد صياغة ذاتها المجتمعية إلى جانب الرجل ، باتجاه نحت ثقافة جديدة يصح معها القول بأنها تخوض معركة وجود وهي تصنع المستحيل لتحفظ الأسرة من أي شكل من أشكال الضياع فما قامت به المرأة خلال سنوات الثورة هو مدعاة فخر للمجتمع .
فقد حققت المرأة إنجازات في مجالات الإغاثة والإعلام والمشاركة في المظاهرات السلمية وتقديم الإسعافات والأدوية وواجهت شتى أنواع القمع ، وهو ما شكّل لها خروجاً من السجن الذاتي والمجتمعي امتلكت معه الإرادة في نيل حريتها كمكون أساسي من مكونات المجتمع وانتزعت حقها بالمشاركة الفعلية في صنع مستقبل البلاد رغم ظروف الحرب المأساوية .
حاضر المرأة السورية وإن اختلف عن حاضر نساء العالم هو جزء من حالة شرائح المجتمع التي أوجدت عناوين تكيف مع ظروفها، في بعضها أكثر قسوة من حقائق مؤلمة مضت، ولعل أبرزها دخول المرأة مجالات عمل جديدة لم تكن تعمل بها من قبل فبالإضافة إلى الانضمام إلى أعمال ظروف الحرب كقطاع الدفاع المدني لمشاركة الرجل في عمليات إنقاذ وإسعاف الجرحى والمصابين، فقد دخلت في مجالات متعددة في سوق العمل، بل إن كثيراً من هذه الأعمال تحتاج إلى مجهود عضلي وجسدي كبير مثل مجال البناء والكهرباء والإمدادات الصحية وجلي البلاط والعمل على الجرارات إلى جانب أعمال مارستها سابقاً كالخياطة والزرعة والتعليم وغيرها.
لم يكن طريق العمل أمام النساء سهلاً، حيث لم يخلُ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﺧﺘﻼﻑ ﺃﻧﻮﺍﻋﻪ ﻭﺃﻣﺎﻛﻨﻪ، ﻣﻦ ﺍﻻﺳﺘﻐﻼﻝ سواء بقلة الأجور، ولا سيما في المناطق التي يسيطر عليها النظام، إضافة إلى مضايقات خلال العمل تصل إلى حد الابتزاز والعنف اللفظي أو الجسدي، فضلاً عن اضطرارها لترك أبنائها وحدهم لأوقات طويلة، وانشغالها بالعمل عن رعايتهم والاهتمام بهم .
ومقارنة مع دول العالم فإن زيادة العنف ضد المرأة وإن كان مرتبطا بانعكاسات أزمة انتشار فيروس كورونا وما أوجده من صعوبات إضافية اقتصادية واجتماعية زادت من أعباء المرأة أكثر في مختلف دول العالم، فإن أزمة الفيروس بالنسبة للمرأة السورية فرضت عليها أعباء إضافية سواء في مناطق النظام، أو في مناطق النزوح واللجوء أو في المعتقلات، ماجعل العنف مفرطا، وجرحا على جرح يشكل تحديا أوسع وأشمل .