أزمات وطوابير.. روسيا تبتلع الاقتصاد السوري وتطلب المزيد
ما إن استيقن نظام الأسد سقوطه لا محالة أمام ملايين السوريين الثائرين في ساحات الحرية حتى هرول نحو حلفائه في روسيا وإيران يستجديهما الدعم العسكري مقابل وعود بتسديد فواتير التدخل حال تمكنه قمع الثورة.
ومع اتساع رقعة المناطق الثائرة وصمود الثورة السورية لأعوام لم يجد نظام الأسد أمامه إلا رهن موارد البلاد الاقتصادية لحلفائه مقابل دفاعهم عنه.
وحاول النظام بداية استرضاء حليفه الإيراني باستثمارات تعوضه عن ما قدمه من دعم عسكري للنظام منذ العام 2011.
غير أن الحال سرعان ما تبدل مع وضع أول جندي روسي قدمه على الأرض السورية عام 2015، إذ سعت روسيا على الفور للضغط على النظام لسحب استثمارات حيوية من إيران لصالحها.
وعملت موسكو تدريجياً على تقليص النفوذ الإيراني داخل اقتصاد النظام، ثم ما لبث أن طالبت بالمزيد من الامتيازات الاقتصادية في أبرز القطاعات الإنتاجية.
وركزت روسيا استثماراتها في قطاعي الطاقة والثروات الباطنية لكونها الأوفر مردوداً فيما تجنبت إنجاز مشاريع خدمية في مجال إعادة الإعمار والخدمات ذات المردود الأقل.
وفي المجمل، عملت الشركات الروسية على محورين رئيسيين، يتمثل أولهما في انتزاع حقول نفط والغاز والفوسفات من حكومة النظام، رغم أن تلك الحقول كانت في طور الإنتاج الربحي بعد أن أنفقت حكومة النظام أموال السوريين على إقامتها قبيل بدء الثورة.
أما المحور الآخر، فيتمثل في الاستيلاء على الفرص الاستثمارية الواعدة في سوريا، حيث عملت موسكو على إبرام اتفاقات تخولها التنقيب عن النفط والثروات الباطنية في مناطق مختلفة من البلاد ولا سيما قبالة الساحل السوري.
وفي كلتا الحالتين تميزت العقود التي أبرمتها الشركات الروسية مع نظام الأسد بطول مدتها وانحيازها الواضح لصالح الروس.
وحصلت شركة “سويوز نفتا غاز” الروسية عام 2013، على امتياز للتنقيب عن النفط والغاز في المياه الإقليمية لمدة 25 عاماً. كما وقعت “ستروي ترانس غاز” عام 2017 عقوداً للتنقيب عن الغاز والنفط في شواطئ طرطوس وبانياس، بالإضافة إلى حقل قارة بريف حمص، فضلاً عن حق استخراج الفوسفات من مناجم الشرقية في تدمر.
واستحوذت ذات الشركة، المملوكة لغينادي نيكولافييتش تيموشينكو المقرب من فلاديمير بوتين، على عقد يخولها استثمار مرفأ طرطوس مدة 49 عاماً.
كما منح نظام الأسد شركات روسية أبرزها، زاروبيج نفط، أس تي غه إنجينيرينغ، تكنوبروم أكسبورت، فيلادا أوليك كيريلوف، ميركوري، ديمتري غرين كييف، وكابيتال عقوداً للتنقيب واستثمار النفط السوري.
ولم تغفل موسكو عن انتزاع امتيازات عسكرية لصالح قواتها، بل هيمنت على مطارات كوريس وحماة وتدمر والشعيرات العسكرية، كما عملت على توسيع قاعدتيها الجوية في حميميم والبحرية في طرطوس خلال السنوات السابقة.
وفي أواخر ايار الماضي، أصدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرسوما، أوعز فيه لوزيري الدفاع والخارجية الروسيين، ببدء محادثات مع نظام الأسد بشأن تسليم العسكريين الروس المزيد من المنشآت، وتوسيع وصولهم البحري في سوريا.
وبالفعل منح نظام الأسد في آب الماضي مساحة تقدر بـ 80 كيلو متراً مربعاً من أراضي الساحل السوري ومثلها من المياه الإقليمية إلى روسيا لتوسعة قاعدة حميميم في اللاذقية.
غير أن الزيارة الأخيرة للمسؤولين الروس لنظام الأسد كشفت أنه لا حد لجشع موسكو، إذ أمهل نائب رئيس الوزراء الروسي يوري بوريسوف في 7 من أيلول، نظام الأسد إلى كانون الأول القادم للموافقة على أكثر من 40 مشروعاً طرحتها روسيا مجال الطاقة واستخراج النفط من البحر، وهو ما حدا برأس النظام إلى التصريح بأن حكومته مهتمة بنجاح الاستثمارات الروسية.
استثمارات من المفترض أن تدفع عجلة الحياة الاقتصادية في مناطق النظام نحو الأفضل مع انحسار المواجهات الميدانية على الأرض إلا أن الواقع جاء خلافاً لتلك الآمال.
إذ أخذ الاقتصاد السوري يتهاوى بعد كل امتياز جديد متكشفاً عن أزمات لم تكن لتحدث لولا رهن النظام مقدرات البلاد للروس والإيرانيين.
وفيما لا يزال بشار الأسد يدرس ما سيقدمه ارضاءً لروسيا قبيل انتهاء المهلة، يقف السوريون بمناطق سيطرة النظام في طوابير لأيام ينتظرون الخبز والوقود وسط تساؤلات عن مصير تلك الاستثمارات المزعومة.