تحويل الضحية إلى مُتهم.. سياسة روسيّة لتبرئة النظام من جرائمه الكيميائية
“اكذب ثم اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس”.. سياسة إعلامية ولئن مات مبتدعها النازي انتحاراً إبان الحرب العالمية الثانية، إلا أنها لاتزال تنبض بالحياة داخل مؤسسات الإعلام الروسي ولاسيما إزاء ملف الهجمات الكيميائية في سوريا.
فعلى مدى سنوات لم يتوقف الإعلام الروسي عن ضخ سلاسل من الأكاذيب إزاء الهجمات الكيميائية في سوريا، فتارة تشكك موسكو بوقوع تلك الهجمات من عين أصلها، وتارة أخرى تطعن في مصداقية لجان التحقيق الأممية في تلك الهجمات.
غير أن أكثر ما يثير الدهشة هو محاولة إعلام موسكو والنظام إلصاق تلك الهجمات بالضحية والادعاء بأن الضحايا يفبركون تلك الهجمات لاستدرار التعاطف الدولي والتدخل العسكري الأمريكي، حسب زعمهم.
ودأبت روسيا عبر وسائل إعلامها وقادتها العسكريين في قاعدة حميميم بشكل متكرر على ترديد مزاعم تحضير “هيئة تحرير الشام” والدفاع المدني السوري لتنفيذ هجمات كيميائية داخل المناطق المحررة واتهام قوات النظام بارتكابها.
وبدأت تلك الادعاءات تتخذ طابع دوري منذ العام 2017 وهو العام الذي شهد الهجوم الكيميائي على مدينة خان شيخون جنوبي إدلب، والذي حملت الأمم المتحدة النظام مسؤوليته.
ورغم سيطرة قوات النظام على مدينة خان شيخون وباقي المناطق التي سجلت هجمات كيميائية خلال سنوات الثورة، إلا أن إعلام روسيا والنظام لم يتوقفا عن ترديد تلك المزاعم، بل زادا من وتيرتها بعد أن أكدت لجنة التحقيق التابعة لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية مسؤولية النظام عن هجمات كيميائية طالت بلدة اللطامنة شمالي حماة عام 2017.
ورغم اتفاق وقف إطلاق النار المبرم في 5 من آذار الماضي، زعمت وزارة الدفاع الروسية، في 12 من أيلول، أن “هيئة تحرير الشام” تعتزم تنفيذ ما أسمته “عملية استفزازية” في إدلب، لاتهام قوات النظام باستخدام أسلحة كيمائية، وهي مزاعم رددتها موسكو بشكل شبه متطابق في 9 من تموز وفي تشرين الثاني وآذار 2019 ومناسبات أخرى خلال عامي 2018 و2017.
وعادة ما تنسب موسكو مزاعمها إلى مصادر محلية مجهولة، غير أنها فشلت على مدى السنوات السابقة في إثبات ضلوع أي من فصائل المعارضة بهجمات كيميائية.
وفي أغلب المناسبات، تستبق المزاعم الروسية عمليات تصعيد ضد المناطق المحررة أو تأتي قبيل جلسات أممية تناقش ملف الهجمات الكيميائية في سوريا.
ويتخوف أهالي المناطق المحررة من أن تمهد تلك المزاعم لهجمات بالأسلحة الكيميائية ضد معاقل المعارضة، وبذلك تتم تبرئة النظام من ارتكابها.
وعلى مدى سنوات الثورة السورية، سقط المئات من المدنيين في مناطق سيطرة المعارضة بهجمات كيميائية نفذها النظام وقع أبرزها في مدن الغوطة الشرقية عام 2013 وأسفر عن مقتل أكثر من 1400 إنسان.
ورغم اقتصار مهام لجان منظمة حظر الأسلحة الكيميائية سابقاً على تأكيد وقوع الهجمات من عدمه، إلا أن المنظمة الأممية أكدت في نيسان الماضي مسؤولية النظام عن هجوم كيميائي شمالي حماة، وذلك بعد أن تم تعديل مهام لجانها لتصبح قادرة على تحديد الجهة الضالعة بالهجمات الكيميائية في سوريا.
وفي 9 من تموز الماضي، أمهلت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، النظام 90 يوماً للإبلاغ عن موقع وكمية الأسلحة الكيميائية التي يمتلكها، فيما لا يزال المجرم الذي زعم مراراً تسليم كافة أسلحته الكيميائية طليقاً دون حساب.