كيميائي الغوطتين يتنقل.. والمجتمع الدولي لا يزال يبحث عن الفاعل
بين مجلس الأمن ولجان التحقيق ومؤتمر باريس لمنع الإفلات من العقاب بالنسبة لمستخدمي السلاح الكيميائي، تبدّد على ما يبدو ملفّ الكيميائي في الغوطتين بالنسبة لحقوق السوريين، في حين كان القرار المتعلّق به هو ذاك الذي أصدره مجلس الأمن ويحمل الرقم 2118 وجرى بموجبه تسليم النظام مخزونه من السلاح الكيميائي لمنظمة منع الأسلحة الكيميائية في العام 2013 بضمانة روسية بعد تهديد الولايات المتحدة بعمل عسكريّ ضدّ النظام.
بقيت القضية الكبرى بالنسبة للملف الكيميائي، كما وصفتها عضو لجنة التحقيق الأممية قبيل استقالتها العام الماضي كارلا ديل بونتي، هي عدم تمكن مجلس الأمن الدوليّ من اتخاذ قرار بتحويل جرائم النظام إلى محكمة الجنايات الدولية بسبب الفيتو الروسي، فلا ادعاء ولا محكمة بخصوص جرائم الحرب في سوريا.
ولكن وعلى الرغم من مواصلة النظام استخدام السلاح الكيميائي عشرات المرات كما تؤكد الأمم المتحدة بعد هجوم الغوطتين ما يدلّل على خرقه اتفاق تسليم مخزونه بضمانة روسيا، فإنّ ذلك لم يلق ردود فعل غربيةً تتوازى مع الجرائم التي يرتكبها، حتى في جريمتي خان شيخون ودوما، إذ لم تؤدّ الضربات الصاروخية إلى إحداث تغيير في سياسة النظام أو فارق بالنسبة لاستمراره في قتل السوريين برعاية روسيّة.
في حين أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف صحة الشكوك التي أشارت إلى أن الضربات الثلاثية التي وجهتها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، وذلك بإقراره أن اتصالات جرت بين روسيا وهذه الدول قبل شنّ الضربات على مواقع للنظام بعد هجوم دوما الذي استخدم أيضاً فيه السلاح الكيميائي في نيسان العام الماضي، في حين أكدت وزارة الدفاع الروسية، أنّ المواقع المستهدفة بالهجمات الغربية كانت مدمّرةً أصلاً، بينما قالت وسائل إعلام النظام: إنّ الصواريخ لم تحقّق أهدافها.
كما أكدت سفيرة فرنسا لدى روسيا سيلفي بيرمان، أن اتصالات تمّت بالعسكريين الروس قبل توجيه الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا الضربة الأخيرة ضد مواقع في سوريا لتجنيب مواقع النظام والمواقع الروسية أية أضرار.
ومستفيداً من الدعم الروسي والتغيرات الإقليمية والدولية فيما يتعلق بالقضية السورية التي لم تعد ترى في رحيله شرطاً لانتقال سياسيّ في سوريا؛ سعى النظام إلى القفز إلى الأمام، إذ كانت آخر مواقفه بهذا الخصوص اتهامات وجّهها نائب وزير خارجيته فيصل مقداد للولايات المتحدة وبريطانيا وتركيا بتزويد المعارضة بالسلاح الكيميائي.
وبالعودة إلى الهجوم الكيميائي في غوطة دمشق الشرقية ومعضمية الشام بالغوطة الغربية، الذي يعدّ عملاً غير مسبوق قامت بها قوات النظام باستخدام غاز السارين لا يزال هو الأبرز والأكثر حضوراً في ذاكرة السوريين، إذ استيقظ سكان الغوطتين في الحادي والعشرين من آب عام 2013 على مشاهد ضحايا قصف النظام بالغازات السامة أحياءً سكنيةً مستهدفاً بكل وضوح المدنيين ما أدى إلى مقتل أكثر من ألف وأربعمئة شخص، وإصابة آلاف آخرين، معظمهم من النساء والأطفال.
وبعد تسليم النظام جزءاً من ترسانته الكيميائية بدأ في العام 2014 بدأ فريق تقويم تابع لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية العمل على سدّ الفجوات ونقاط الالتباس في الإعلان الذي قدّمه النظام للمنظمة، ويفترض أنه يشمل جميع جوانب برنامجه للأسلحة الكيميائية.
وفي العام 2015 أسّست آلية التحقيق المشتركة التابعة للأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية لتحديد الأفراد أو الكيانات التي تقف وراء هجمات الأسلحة الكيميائية.
وبحلول يوليو/تموز 2016، وبعد زيارة سوريا ثماني عشرة مرةً لتفتيش مواقع ولقاء مسؤولين، قال الفريق: “إنه لا يمكنه التحقق كاملاً من أن النظام قدم إعلاناً يمكن عدّه دقيقاً ومستوفى”.
في ألفين وستة عشر، خلصت آلية التحقيق المشتركة، إلى أن قوات النظام استخدمت غاز الكلور سلاحاً كيميائيّاً في ثلاث حالات، وأن متشددي تنظيم داعش استخدموا غاز الخرد، وخلص تحقيق للأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، إلى أن قوات النظام مسؤولة عن ثلاث هجمات بغاز الكلور.
وأدانت وثيقة وضعت إسبانيا مسودتها الهجمات لكنها حذفت أيّ إشارة إلى عقوبات وأيدتها أغلبية تشمل ألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا، ولكنّ روسيا والصين وإيران والسودان عارضتها.
في 2017، تخلص بعثة تقصي الحقائق التابعة لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، إلى أنّ غاز السارين استخدم في هجوم الرابع من أبريل/ نيسان على منطقة خان شيخون بشماليّ سوريا وذلك في أعنف استخدام لغاز الأعصاب منذ ثلاث سنوات. ولم تلق البعثة باللوم على طرف بعينه.
وأسّست منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بعثةً لتقصّي الحقائق بهدف “التوصل إلى حقائق استخدام موادّ كيميائية سامة، وأفادت باستخدام غاز الكلور، لأغراض عدائية في سوريا” وبشكل ممنهج وواسع النطاق، ولم تكن البعثة مكلفةً بمهمة تحديد المسؤولية.
وعقد ممثلو ثلاثين دولةً اجتماعاً في باريس لإطلاق مبادرة تعمل على منع مستخدمي السلاح الكيميائي من الإفلات من العقاب بعد استخدام روسيا مرتين لحقّ الفيتو لمنع مواصلة تحقيقات دولية لكشف مستخدمي هذا النوع من السلاح في سوريا.
ولم يتم التوصل إلى اتفاقات محددة في الاجتماع الذي كان من المفترض بحسب الخارجية الفرنسية أن يضع بأيدي المجتمع الدولي والرأي العامّ المعلومات التي تملكها حول المسؤولين المتورطين باستخدام الأسلحة الكيميائية، كما سيتمّ إنشاء موقع خاصّ على الإنترنت بهذا الصدد، واكتفت فرنسا بفرض بعض العقوبات على شخصيات تابعة للنظام.
وفي الآونة الأخيرة، أعلن المدير العامّ لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية أن محقّقيها المكلّفين بتحديد الجهات المسؤولة عن هجمات كيميائية وقعت في سوريا قد أعدّوا قائمةً بأولى التحقيقات التي سيجرونها.
وقال فرناندو أرياس، في تقرير، للدول الأعضاء: إن التحقيق سيتناول على مدى السنوات الثلاث المقبلة تسعة أحداث، وذكر أنّ الفريق يعمل الآن بكامل طاقته، وأنه يتم إعداد قائمة أولية بالأحداث التي تستوجب التحقيق، ويجري العمل على التواصل مع الدول الأعضاء والجهات الدولية والإقليمية والمحلية.
ولم ينعكس تسليم النظام سلاحه الكيميائيّ إيجابيّاً على السوريين، بل عمّق أثر الكارثة التي ألحقها النظام بهم، بينما استفادت من ذلك قوًى إقليمية ودولية بأن أصبحت جزءاً من منظومة إقليمية ودولية تعمل على تعويمه مقابل تحقيق مصالح لها في البلاد.
وللحديث حول هذا الموضوع أجرى راديو الكل مقابلات مع:
الناشط السياسي الدكتور غزوان عدي:
والكاتب والمحلل السياسي صبحي دسوقي:
تقرير – راديو الكل