الثورة تدخل عامها الثامن والسوريون يتطلعون إلى مستقبل لا وجود فيه للنظام وللاحتلالين الإيراني والروسي
خاص – راديو الكل
اليوم وبعد 7 سنوات على الثورة و 6 سنوات على حرب النظام وإيران وميلشياتها وروسيا ومرتزقتها ضد الشعب السوري، لايزال السوريون يتطلعون إلى المستقبل ويحدوهم الأمل في التخلص من الاحتلالات التي استقدمها النظام ودفع لها أثماناً من السوريين ودمائهم مقابل حمايتها له وإبقائه في كرسي الحكم.
أكثر من 500 ألف سوري قتلوا، في حين يقبع مئات الآلاف في معقتلات النظام ونحو 10 ملايين لاجىء ونازح في بلاد باتت ممزقة إلى مناطق تسيطر عليها إيران وروسيا ويوجد النظام فيها بشكل صوري، ومناطق أخرى خارج سيطرة النظام وحلفائه المذهبيين الإقليميين والدوليين وتخضع لنفوذ قوى إقليمية ودولية.
هذه المرحلة يبدو أنها أصبحت واقعاً الآن لكنه من المستبعد أن يستمر طويلاً، إذ إن هناك مرحلة أخرى بدأت وأحد عناوينها استحالة العودة إلى نظام سيطر على البلاد عقوداً خلقت فيها مارساته جراحات وندوب وتشوهات اجتماعية وانقسامات كانت المحرك الرئيس لإنطلاق الثورة التي كان السوريون قبلها يحبسون أنفاسهم من أجل تجاوز ثورات الربيع العربي التي
الاحتجاجات في سوريا انطلقت يوم 15 مارس/آذار 2011 بمظاهرات صغيرة في دمشق سرعان ما امتدت إلى درعا جنوبي البلاد ومنها إلى مدن وبلدات أخرى كثيرة. وقد تمت الدعوة إلى هذه الاحتجاجات على موقع فيس بوك ومواقع أخرى للتواصل الاجتماعي بعنوان “الثورة السورية ضد بشار الأسد”.
ومن درعا كانت البداية حين كتب التلاميذ يوم 25/2 على الجدران الشعارات المستوحاة من أجواء الثورتين التونسيّة والمصريّة، حيث أمر رئيس فرع المخابرات السياسيّة في درعا، عاطف نجيب، ابن خالة بشّار، باعتقال 21 تلميذاً خضعوا للتعذيب الشديد. وبعد اعتصام الأهالي في «جمعة الكرامة»، في باحة المسجد العمريّ، مطالبين بإطلاق سراح أبنائهم، فتحت النيران عليهم وسقط الشابّان محمود جوابرة وحسام عيّاش.
والشباب هم الثورة، والثورة هي انعكاس حقيقي وواقعي لدور الشباب. والشعوب التي افتقدت حيويتها وشبابها الروحي والمعنوي، وفي العصر الحديث خاصة، هم الطليعة التي تحمل مشاعل الثورة والتنوير والدعوة إلى تغيير الأنظمة الجائرة ومقاومة قوى البطش والطغيان.
طاقات الشباب السوري انتشرت في الساحات لإسقاط الطغيان والفساد والانتقال إلى مرحلة جديدة تكون خلالها قادرة على النهوض وتحمّل أعباء الخروج من أزمنة القمع والبطش، فالشعوب الحرة الناهضة لا تقبل الاستبداد، وترفض الهيمنة والتحكم في مصادر الثروة الوطنية.
ومع اللحظة الأولى لانطلاقة الثورة السورية، واكبت المظاهرات السلمية، كوكبة من حملة سلاح الحقيقة، بعدساتهم وأقلامهم نقلوا ثورة شعبهم إلى وسائل الإعلام التي منعها النظام من تغطيتها، محاولاً أن يسد الآفاق، ويغلق النوافذ على المشهد ليشكله ويصوره كما يشاء، ليقول إعلامه للعالم: إن الشعب لم يثر في سوريا.
منذ البداية منع النظام جميع وكالات الأنباء، والقنوات الفضائية، والمراسلين المستقلين من التنفس من الهواء السوري، لكن بقي للحقيقة رجالها.
بعدسات هواتفهم النقالة، عبر شبكة الإنترنت بث نشطاء الثورة السورية آلاف مقاطع الفيديو التي تثبت للعالم سلمية الشعب السوري في مظاهراته ضد الأسد، فكشفت للعالم بعضاً من وحشية النظام، فوثقوا إطلاقه الرصاص الحي على المتظاهرين، واعتقال آخرين.
وشاركت المرأة في الثورة وحققت إنجازات في مجالات الإغاثة والإعلام والمشاركة في المظاهرات السلمية، وتقديم الإسعافات والأدوية، وتعرضت للاعتقال والقنص، وواجهت أنواعاً شتى من القمع، شكّل لها خروجاً من حالة كانت أقرب للانغلاق إلى حالة أخرى انتزعت لنفسها من خلالها مكانة أساسية في سوريا الغد، وتمسكت بحقها في المشاركة الفعلية في صنع مستقبل البلاد، على الرغم من أوضاع الحرب المأسوية، وعلى الرغم من جميع أنواع العنف الذي يستهدفها.
وامتد عذاب المرأة السورية حتى لا يكاد ينتهي، إذ أخذت الحرب أرواح الرجال وتركت للنساء شبه حياة يقضينها بالأسى والفقدان والانتظار، وتنفطر قلوبهن وهن يشاهدن أزواجهن وأبناءهن وإخوانهن يموتون كل يوم، إلا أنّ تحمل المرأة هذا القدر الكبير من الألم لم يزدها إلا قوة وإصراراً على البقاء.
وبدأت الثورة السورية شعبية سلمية، لا تتبع لأجندات، متمثّلةً في ذلك تجارب ما سبقها من ثورات الربيع العربي في تونس ومصر واليمن وليبيا، وأجهضت المظاهرات السلمية بعمر الستة أشهر، بسبب تعمّد النظام الذي عمل جاهداً على جر الثورة إلى التسليح ليكون له ذريعة بقصف الأحياء السكنية بالطائرات والغازات المحرمة دولياً، فاستجلب مرتزقته من جميع دول العالم ولاسيما إيران وروسيا وأفغانستان ليعلنها حرباً على شعب أعزل ما له غير الله.
وشكل الجيش الحر منذ تأسيسه خياراً رئيساً للسوريين لما يمثله من سياسة اعتدال وتمثيله جميع أطياف الشعب السوري، وتقديم الخدمات للمجتمع المدني من أجل تنظيم سير الحياة في المناطق المحررة، وواجهته تحديات كبرى بالإضافة إلى تصديه لقوات النظام وميلشيات إيران وطيران روسيا الحربي كان تنظيم داعش أحد أبرز القوى التي خاضت معارك مع الجيش الحر واستهدفت قياداته وفرقه.
وشكل إقحام النظام للجيش في قمع المظاهرات بعد فشل أجهزة الأمن والشبيحة بداية لتشكيل الجيش الحر مع توالي الانشقاقات التي أضيفت إلى الكتائب الصغيرة التي تشكلت من خلال المجتمع الأهلي بهدف حماية المظاهرات والحفاظ على طابعها السلمي.
واستمرّ طابع الجيش الحر بوصفه امتداداً مسلّحاً للمجتمع المحلي غالباً على التشكيلات المقاتلة في البداية، مستنداً إلى عقيدة قتالية تندرج أساساً في حماية الأهالي والأحياء، بينما جعل في وقت لاحق التديّن سنداً روحياً من دون أن يتطوّر إلى أيديولوجيا ومشروع سياسي ناجز إلا في وقت متأخر.
وكان للدفاع المدني دور مميز طيلة السنوات الماضية، 3 آلاف متطوع ومتطوعة، بعضهم آباء وبعضهم نساء، أنقذوا في سوريا بحسب منظمات عالمية أكثر من 100 ألف من الأبرياء، منذ عام 2013 حتى الآن.
بشعار “ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً”، عمل عناصر الدفاع المدني في سوريا على خدمة وإسعاف المدنيين في مختلف المناطق المحررة التي يقصفها النظام وروسيا يومياً.
أبطال صنعتهم الحرب، بإمكانيات بسيطة، وبجهود خاصة، كانوا ذراع الثورة الأبيض، فإلى جانب إسعافهم الجرحى، يطفئون الحرائق التي يشعلها القصف، ويديرون الملاجئ، ويصلحون المرافق العامة، إضافة إلى إخلائهم سكان المناطق التي تقترب منها الحرب. بعد مضي 6 سنوات على عملهم، يتمنى عناصر الدفاع المدني انتهاء هذه الحرب سريعاً ليعودوا إلى منازلهم من دون وداع آخر لعائلاتهم وأطفالهم، فهل تتحقق أمنياتهم البسيطة قريباً؟
وبعد نحو 5 سنوات على تسليم النظام سلاحه الكيميائي بموجب صفقة توسطت فيها روسيا، لا يزال النظام يستخدم السلاح الكيميائي ضد المدنيين، ولا تزال الولايات المتحدة وروسيا تتبادلان الانتقادات بشأن مسألة محاسبة المسؤولين عن الهجمات الكيميائية في سوريا، بينما استخدمت روسيا “الفيتو” لمنع التجديد لفريق تحقيق تابع للأمم المتحدة حول الهجمات الكيميائية، ما أنهى عمل هذا الفريق الذي يتكون من خبراء من الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، والذي كان أكّد أن النظام استخدم غاز الكلور في هجومين في الأقل عامي 2014 و2015، واستخدم غاز السارين في هجوم جوي على منطقة خان شيخون في 4 أبريل/نيسان الماضي، ما أسفر عن مقتل قرابة 100 شخص وأضر بنحو 200 آخرين.