بعد سبع سنوات على انطلاق الثورة لا يزال النظام يستخدم السلاح الكيميائي ضد المدنيين في سوريا
راديو الكل ـ تقرير خاص
بعد نحوِ خمسِ سنواتٍ على تسليم النظامِ سلاحَه الكيميائي بموجب صفْقةٍ توسطت فيها روسيا، لا يزال النظامُ يستخدم السلاحَ الكيميائيَّ ضد المدنيين ولا تزال الولاياتُ المتحدة وروسيا تتبادلان الانتقاداتِ بشأن مسألةِ محاسبةِ المسؤولين عن الهجمات الكيميائيةِ في سوريا، بينما استخدمت روسيا “الفيتو” لمنع التجديدِ لفريق تحقيقٍ تابعٍ للأمم المتحدة حول الهجمات الكيميائية، ما أنهى عملَ هذا الفريقِ الذي يتكوّنُ من خبراءَ من الأممِ المتحدة ومنظمةِ حظرِ الأسلحةِ الكيميائية، والذي كان أكّد أن النظام استخدمَ غازَ الكلور في هجومين على الأقل عامَي 2014 و 2015، واستخدمَ غازَ السارين في هجومٍ جويٍّ على منطقة خان شيخون في 4 أبريل/نيسان الماضي، ما أسفر عن مقتلِ قرابةِ 100 شخصٍ وأضرَّ بنحوِ 200 آخرين.
ويواصلُ النظامُ استخدامَ السلاحِ الكيميائي ضد المدنيين ولاسيما في الغوطة الشرقية رغم التهديداتِ الدوليةِ بمحاسبته، وتتركزُ وسائلُ الردعِ الدولية حالياً في مجلس الأمن، حيث كان آخرُها سعيَ الولاياتِ المتحدة إلى استصدار قرارٍ يقضي بتشكيل لجنةٍ جديدةٍ للتحقيق باستخدام أسلحة كيميائيةٍ في سوريا.
وبينما يربطُ الفرنسيون بين التحركِ ضد النظام وبين أدلةٍ ثابتةٍ على استخدامه الكيميائي تطلق روسيا تحذيراتٍ حول ما تسميه بوسواس اتخاذِ الموضوعِ الكيميائي ذريعةً لتوجيه ضرباتٍ صاروخيةٍ إلى منشآتِ النظام، وآخرُ تلك التحذيراتِ تصريحُ وزيرِ الخارجيةِ الروسي، سيرغي لافروف، بأنّ ما يترددُ عن هجومٍ بموادَّ كيميائيةٍ في الغوطة “مجردُ خدعة”، متهماً البعضَ بمحاولةِ استغلالِ قرارِ وقفِ إطلاقِ النارِ عبر الترويج لهذه الأخبار من خلال ما وصفَها بـ”شخصياتٍ غيرِ معروفةٍ مقيمةٍ في أمريكا”.
وتتهم واشنطن موسكو بخرق التزاماتها بوصفها ضامناً لتدمير مخزوناتِ الأسلحةِ الكيميائيةِ للنظام وبعدم منعِه من استخدامها ويقول روبرت وود المبعوثُ الأمريكي لمؤتمر نزعِ الأسلحةِ في جنيف: “إنّ روسيا في الجانبِ الخطأ من التاريخ فيما يتعلق بالأسلحة الكيمائية في سوريا، وإن هناك علاقةً تاريخيةً بين النظامِ وكوريا الشمالية فيما يتعلق بالصواريخ والأسلحةِ الكيميائية”.
ورغم وجودِ توقعات بأن توجّهَ الولاياتُ المتحدة والدولُ الغربية ضربةً للنظام على خلفية استخدامِه الكيميائي، فإنّ الاتجاهَ الآن لدى هذه الدول هو من خلال مجلسِ الأمن الدولي وخاصة انتزاعَ قرارٍ لتشكيل لجنةِ تحقيقٍ دولية.
ويرى محللون، أن هناك خِيارين فيما يتعلق بالملف الكيميائي؛ الأولُ: هو مساءلةُ النظام عن استخدامه السلاحَ الكيميائي، والثاني: التوجهُ نحوَ ضربةٍ أمريكيةٍ لقوات النظام تكون أكبرَ من الضربة التي وُجهت إلى مطار الشعيرات وأقلَّ من أن تؤديَ إلى سقوطِ النظام.
ولا ينظر المجتمعُ الدولي بجدية حتى الآن إلى القتل الذي يمارسه النظامُ ضد المدنيين بأسلحة تقليدية، إنما جُلُّ اهتمامِه يتركزُ على استخدام الأسلحةِ الكيميائية، ولكنه لم يتدخلْ حتى الآن بشكل متناسبٍ مع الجرائم التي يرتكبُها النظامُ رغمَ تأكيداتِ لجنةِ التحقيقِ الدوليةِ المستقلةِ استخدامَه الأسلحةَ الكيميائيةَ ضد المدنيين وسياسةَ التجويعِ الممنهجِ والقصفِ العشوائيّ ضد السكان والإجلاءِ الطبي.
رئيسُ لجنةِ التحقيقِ التي تتبعُ لمجلس حقوقِ الإنسانِ في الأمم المتحدة باولو سيرجيو بينيرو قال في مؤتمر صحفي عقدَه في مقر الأمم المتحدة بجنيف: إن اللجنةَ تلقّت الكثيرَ من التقارير التي تؤكدُ استخدامَ نظامِ بشارِ الأسد غازَ الكلور ضد المناطقِ الخاضعةِ لسيطرةِ المعارضةِ في الغوطة الشرقية وإدلب.
كذلك بدأت منظمةُ حظرِ الأسلحةِ الكيميائية بشكل مستقل تحقيقاً في هجماتٍ وقعت في الآونة الأخيرةِ بالغوطة الشرقية المحاصرةِ لتحديد ما إذا كانت ذخائرُ محظورة قد استُخدمت، وقالت المصادر: إنّ المنظمةَ ستحققُ في هجماتٍ من بينها هجوم وقعَ يومَ الأحد قالت السلطاتُ الطبيّة: إنه أسفرَ عن قتلِ طفلٍ وسبَّبَ أعراضاً مشابهةً لأعراضِ التعرّضِ لغاز الكلور.
وتؤكدُ حكومات غربية، أن موسكو تحاول تقويضَ تحقيقاتِ الأممِ المتحدة ومنظمةِ حظرِ الأسلحةِ الكيميائيةِ في سبيل حمايةِ الأسد. ويقول النظام: إنّ الدولَ الغربيةَ تستغلُّ مهامَّ التفتيشِ لفرض تغييرِ النظام.
على الرغم من تأكيدات لجانِ تحقيقٍ دولية، لم يعترف النظامُ باستخدامِه السلاحَ الكيميائيَّ بعد تسليمِه السلاحَ الكيميائيّ، ولا بارتكابه مجزرةً في خان شيخون في نَيسان الماضي باستخدام السلاحِ الكيميائي رغم تأكيداتِ الولاياتِ المتحدة وروسيا ذلك، وما بُني عليه من ردةِ فعلٍ أمريكية من خلال القصف الصاروخي لمطار الشعيرات.
برأي النظام أنه تجاوزَ مسألةَ الكيميائي ويعملُ على هذا الأساس منذ أن سلَّمَ مخزونَه إلى منظمة حظرِ السلاحِ الكيميائي خلالَ الصفقةِ التي تمت بينه وبين الولاياتِ المتحدة بضمانةٍ روسيةٍ في العام 2013، بعد أن قتلَ نحوَ ألفٍ وأربعِمئةِ مدنيٍّ في الغوطة الشرقية بالغازات السامة .
ويسعى النظام للقفز إلى الأمام مستفيداً من التغيرات الإقليميةِ والدوليةِ التي لم تعدْ ترى في رحيله شرطاً لانتقالٍ سياسيٍّ في سوريا، وآخرُ مواقفِ النظامِ بهذا الخصوصِ اتهامات وجَّهها نائبُ وزيرِ خارجيتِه فيصل مقداد للولايات المتحدة وبريطانيا وتركيا بتزويد المعارضةِ بالسلاح الكيميائي، وذلك بالتزامن مع الذكرى الرابعةِ لمجزرةِ الكيميائي التي ارتكبَها النظام في الغوطةِ الشرقية ومعضميةِ الشام وأيضاً في وقت يقوم به وفد من منظمة “حظرِ الكيميائي” بزيارةٍ إلى دمشق في غضونِ أيامٍ في إطارِ التحقيقِ في استخدامِ الكيميائي ببلدة خان شيخون .
وإلى الآن لا ادعاءَ ولا محكمةَ بخصوص جرائمِ الحربِ في سوريا، كما تقولُ عضوةُ لجنةِ التحقيقِ الأممية كارلا ديل بونتي قبل تقديمِ استقالتِها من اللجنةِ احتجاجاً على عجزِ مجلسِ الأمنِ عن وضعِ حدٍّ للكارثة التي ألحقَها النظامُ بالسوريين .
ورغم جمعِها الأدلةَ الكافيةَ لإدانة بشار الأسد بارتكاب جرائمِ حربٍ فإنَّ اللجنةَ كما المجتمعُ الدولي في عجزٍ تام، ومازال النظامُ طليقاً من دون محاسبةٍ على قتلِ نحوِ نصفِ مليونِ سوري وتهجيرِ أكثرَ من نصف السكانِ بين نازحٍ ولاجئ.
إذا كانت الجرائمُ التي ارتكبها النظامُ من قتل المدنيين بقصف الطيرانِ الحربي والمدفعي قد غُلفت بإطارِ محاربةِ الإرهاب، وهو ما أعطى ذريعةً للقُوى الكبرى لعدم الوقوفِ إلى جانب ثورةِ الشعبِ السوري، فإن المجازرَ التي يرتكبُها هذا النظامُ بحق المدنيين من نساءٍ وأطفالٍ باستخدام الغازاتِ السامةِ وتأكيداتِ منظماتٍ دوليةٍ حقوقيةٍ لذلك يجب أن تشكلَ دليلاً على وحشيةِ النظام يفرِضُ على المجتمع الدولي ولاسيما القُوى الكبرى العملَ على وضعِ حدٍّ لإجرام النظام بحق المدنيين العزل.
وبالحديث عن الملف الكيميائي أجرى راديو الكل مقابلات مع:
اللواء “عدنان سلوط” رئيس أركان إدارة الحرب الكيميائية في سوريا سابقاً.
ومدير العلاقات العامة في مديرية صحة ريف دمشق الطبيب “فايز كربوج”.