في ذكرى النكسة ..لماذا أعلنها حافظ الأسد هزيمة قبل أن تحدث ؟
فؤاد عزام
لا يبدو حديث الباحثين والمحللين الإسرائيليين ومنهم أيدي كوهين عن أن اسرائيل تفضل بقاء الأسد , معزولا عن سايق تاريخي في العلاقة بين نظام الاسد وبين اسرائيل , وهي التي بدأت قبيل حزب حزيران , تلك الهزيمة التي مرت كالصاعقة على السوريين الذين اكتشفوا أن ثمة صفقة عقدت بين الجانبين تم بموجبها تسليم الجولان بلا قتال , مقابل مباركة اسرائيل والعالم لانقلاب الاسد عام 1970 واستيلائه على السلطة واستمرار سيطرته عليها ثم توريثها الى ابنه بشار حتى اليوم .
من اسرار حرب حزيران ماكشفته مؤخرا صحيفة هاآرتس الإسرائيلية عن أن القوات الإسرائيلية دخلت هضبة الجولان بعد ان انسحبت القوات السورية منها , فلم يستغرق احتلالها وهي التي كانت محصنة سوى بضع ساعات , والشهود من الصف القيادي العسكري والسياسي في تلك الفترة وما تلاها تحدثوا عن أوامر بعدم القتال، بينما كانت الطائرات الإسرائيلية تدمر الطائرات المصرية وهي رابضة في قواعدها العسكرية .
صحيفة “هآرتس” استندت إلى تقريرها إلى “أرشيف الدولة العبرية” عن جلسات لجنة الخارجية والأمن خلال الحرب عام 1967، وجاء فيها أن وزير الدفاع حينها موشيه ديان، غير رأيه في اليوم الخامس لحرب 1967، الموافق 9 يونيو 1967، وأصدر تعليمات بدخول الجولان ، بعد أن انسحبت القوات السورية وأخلت مواقعها , في حين لم يكن يؤيد فتح جبهة الجولان بل ان هدف الحرب كان الجبهة المصرية والأردنية.
وكان ديان قد صرح في مساء الثامن من الشهر نفسه في جلسة، بأنه من غير الممكن فتح جبهة مع السوريين وقال “لقد بدأنا الحرب ضد مصر وفي الطريق أخذنا الضفة الغربية، ولا أعتقد أنه يمكن حاليا فتح معركة مع سوريا . إلا أنه وبعد الصور الجوية التي أكدت انسحاب القوات السورية من الجولان دون أي قتال جعلت دايان يتخذ قرار دخول القوات الإسرائيليه إلى الأراضي السورية .
كان البيان رقم 66 الذي دفع به وزير الدفاع حافظ الأسد ليذاع في إذاعة الجمهورية العربية السورية في اليوم السادس والأخير من الحرب ليقول للشعب إن القنيطرة سقطت في يد “العدو” بعد قتال عنيف , هو الذي تطلبته تلك الصفقة فالقنيطرة لم يكن قد دخلها أي جندي اسرائيلي حين سمع الناس عبر الإذاعة ذاك البيان الكارثة ويتساءل محمد الزعبي وزير الإعلام أنذاك عن سبب اصرار حافظ الأسد على إصداره ؟
لكن الجواب على هذا التساؤل كان اسرائيليا حيث يقول الباحث الإسرائيلي في الشأن السوري إيال زيسر ” بلهجة ساخرة نحن تعودنا دائما أن تذيع بعض الإذاعات العربية بلاغات عن انتصارات لم تحصل، البيان هذه المرة كان عن هزيمة لم تحصل بعد”.
استطاع النظام طيلة الفترة الماضية تعمية الرأي العام عن الصفقة التي باع بموجبها الجولان , وأن يغطى عليها من خلال اجتراره الحديث عن ممانعة ومقاومة وملاحقة من يثبت أنه صرح أو ألمح عن سر من أسرار الجولان واعتقاله أو قتله، ومن هذه الأسرار ماجاء على لسان شهود منهم ضابط سوري في جبهة الجولان أفاد لإحدى المحطات التلفزيونية دون أن يكشف وجهه إنه كان بإمكان الطيران السوري مواجهة الطيران الإٍسرائيلي وهو عائد من ضربته لمصر، فارغا تقريبا من الوقود، وليس بإمكانه القتال، لكن القيادة السورية لم تصدر أوامر بالقتال لجنودها.
وهذه الشهادة يؤكدها الضابط الأردني الذي خدم في مدينة القدس إبان 1967 غازي ربابعة بقوله إن الملك حسين طلب من السوريين معونة جوية بمشاركة طائرات عراقية وأردنية لتوجيه ضربة للطائرات الإسرائيلية العائدة من مصر فرد عليه حافظ الأسد في تلك اللحظة المهمة “إن طائراتنا تقوم برحلات تدريبية”.
يقول محمد الزعبي كان القتال في الجولان ممكنا ، وعلى الأقل جعل كلفة احتلال كل سنتيمتر من الجولان مُرة في حلق الإسرائيليين، “أما أن يؤخذ الجولان على البارد فهذه مؤامرة”.
مايكمل فصول المؤامرة هو أنه بعد ستة أعوام على سقوط هضبة الجولان يخوض النظام حرب 1973 بضغط من مصر خصوصا , وتتقدم القوات السورية ثم لا تلبث أن تتراجع عن بشرى انتصار أولى، لتنكفئ فلا يعود الجولان وحده المحتل، بل 23 قرية إضافية.
لا يتكلم الساسة الإسرائيليون عن تلك المؤامرة بيد أن مراكز أبحاثهم وصحفهم تقول مالا يقولونه ,الباحث الإسرائيلي في جامعة بار إيلان “إيدي كوهين” يقول إن القادة السياسيين والامنيين في إسرائيل يتمنون بقاء بشار الأسد رئيسا لسوريا، فنظام آل الأسد لم يطلق منذ أكثر من 50 عاما رصاصة واحدة على إسرائيل، بل إن أي جندي حاول إطلاق رصاصة على إسرائيل قام النظام السوري بمعاقبته ويضيف “نحن نريد رئيسا جبانا مثل بشار الأسد ديكتاتوريا يقتل شعبه ولكن يعطينا الامان والإستقرار” .
مركز بيغن السادات للدراسات الإستراتيجية يقول في أحدث دراسة له لا بد من عمل كل شيء من أجل ضمان ليس فقط بقاء بشار الأسد كرئيس لسوريا، بل والحرص على ضمان تعزيز مكانته هناك بشكل جذري” .
وتحذر الدراسة من عدم تعزيز مكانة بشار الأسد في سوريا لأنها “مصلحة حيوية واستراتيجية لإسرائيل من الطراز الأول” كما تحذر من السماح بأن يتولى حكم سوريا رئيس منتخب خشية أن يطرح مستقبلا قضية هضبة الجولان، و”يطالب إسرائيل بالانسحاب منها”. وتشير إلى أن سوريا تحت حكم عائلة الأسد لم تقم “ولو مرة واحدة بافتعال أي حدث أمني أو عسكري ضد إسرائيل منذ انتهاء حرب 1973”.
الجولان الذي يعد واحدا من أشد المآسي العربية حضورا لم يعد غامضا فحتى لو لم يكشف الإسرائيليون أنه بيع لهم مقابل الحكم فإن بقاء النظام منذ بداية الثورة وحتى الآن كفيل بأن يدلل بشكل واضح على مدى حقيقة حدوث تلك الصفقة عدا عن استمراره طيلة العقود بموجب عقد غير معلن عبر عنه رامي مخلوف في بداية الثورة عام 2011 في حديثه الشهير الى نيويورك تايمز: حيث قال إن استقرار اسرائيل مرتبط باستقرار نظام آل الاسد في دمشق