بعد 6 أعوام من الثورة.. ما هي سُبل محاكمة الأسد؟
مي الحمصي / راديو الكل
لجأ نظام الأسد إلى استخدام الرصاص الحي في قمع المظاهرات المناوئة لحكمه في سوريا، وذلك في الأيام الأولى من انطلاق الثورة السورية، ما خلّف مئات الشهداء والجرحى، كما اتبع سياسة الاعتقال التعسفي بحق المتظاهرين السلميين في محاولة لإخماد الثورة السورية وكم الأفواه، لكن جهوده في هذا السياق بائت بالفشل، لذا عمل على التصعيد ضد الشعب الثائر، فارتكب العديد من المجازر الوحشية بحق المدنيين الأمنيين ذبحًا بالسواطير والسكاكين (مجزرة حي كرم الزيتون ومنطقة الحولة بحمص ومدينة داريا بريف دمشق)، لكنه لم يفلح في إيقاف الثوار من النزول إلى الساحات و المناداة بإسقاطه، فكان التصعيد العسكري بحصار المدن والبلدات والأحياء السوريّة وقصفها بالأسلحة الثقيلة والمحرمة دوليًا ومن بينها الكيماوية، مرتكبًا واحدة من أكبر المجازر في الثورة في غوطة دمشق الشرقية، ومعضمية الشام في عام 2013، والتي أودت بحياة 1400 مدني، ما أدى إلى سحب ترسانة النظام الكيماوية من قبل البعثة المشتركة لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية والأمم المتحدة الخاصة بنزع الأسلحة الكيماوية السورية، ورغم ذلك استمر الأسد بنهجه مستخدمًا غاز الكلور في العديد من الهجمات على المحافظات الثائرة.
وفي هذا الصدد، أفاد مدير مركز توثيق الانتهاكات الكيميائية في سوريا “نضال شيخاني” لراديو الكل أن المركز بالتعاون مع فريق تقصي الحقائق التابع للمنظمة الدولية لحظر الأسلحة الكيميائية ، استطاعوا إعداد تقارير تُعتبر أدلة كافية للعمل على مطالبة الدول المعنية “البرلمان الأوروبي أو المفوضية الأوربية أو أحد الدول الأوروبية الداعمة للملف السوري” بإنشاء محكمة فيدرالية خاصة، تستدعي كل المُدانين باستخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا، لمحاسبتهم ومُعاقبتهم، وهو ما يمكن السعي خلاله للتطبيق خلال العام الحالي أو العام القادم، مشيرًا إلى أن استخدام روسيا والصين لحق النقض “فيتو” ضد مشروع قرار لمجلس الأمن بفرض عقوبات على نظام الأسد لاستخدام السلاح الكيماوي مؤخرًا، هو تعطيلٌ للعدالة.
وبما أنَّ النظام فشل في إيقاف الثورة، لجأ إلى التصعيد العسكري من خلال قصف المدن والبلدات الثائرة بأقوى أنواع الأسلحة وأشدها تدميرًا، ولم يوفر في حربه على الشعب كافة أنواع الأسلحة المحرمة دوليًا، فقصف المناطق المحاصرة بالغازات السامة وبالقنابل الفوسفورية والعنقودية والصواريخ الارتجاجية وغيرها، واستطاعت هذه الطائرات إضافة للظروف الإنسانية المتردية نتيجة الحصار، تمهيد الطريق لجريمته التالية، وهي جريمة التهجير القسري للمدنيين من بيوتهم ومدنهم، وفتحت ثقل الموت قصفًا وجوعًا وقهرًا، عقد العديد من التسويات والاتفاقيات مُجبرًا الآلاف على الرحيل.
وفي هذا السياق، أشار مدير المركز السوري للإعلام وحرية التعبير المحامي الاستاذ “مازن درويش” إلى أن التهجير القسري هي جريمة حرب وفق القانون الدولي، سواء تم فيها إحلال سكاني أم لم يتم ذلك، لأنها تشكل خللًا في التركيب الديمغرافي للبنية السكانية في سوريا، وهي من الجرائم التي يعاقب عليها القانون الجنائي الدولي، ولا تسقط بالتقادم، منوهًا إلى الأدوار الملتبسة للأمم المتحدة في عمليات التهجير.
وطلب “درويش” عبر راديو الكل، من المدنيين الذين تعرضوا للتهجير القسري، الاحتفاظ بأي مستند يدل على الملكية، سواء كان عقد ملكية أو سجل صناعي أو تجاري أو فاتورة كهرباء أو ماء، كاشفًا أن هناك جهات تعمل مع الفيدرالية الدولية لحقوق الانسان لإعداد دراسة حول التهجير القسري في سوريا، متوقعًا صدور هذه الدراسة قريبًا، والتي بموجبها يمكن التوجه لهيئات دولية.
كثيرة هي الجرائم التي ارتكبها نظام الأسد ولم تقتصر على التهجير القسري واستخدام الكيماوي، ومن الجرائم التي لا زالت ترتكب يوميًا التغييب القسري واستخدام وسائل وحشية للتعذيب في أقبية المخابرات، إضافة للقصف اليومي والحصار وغير ذلك من الانتهاكات.
وفي هذا الخصوص، أوضح المدير التنفيذي في رابطة المُحامين السوريين الأحرار الأستاذ “سامر الضيَعي” أن جرائم الحرب هي مخالفة للقوانين والعادات المُتبعة في قواعد الحروب الدوليّة، وكل خرق لاتفاقيات جنيف الأربع، والتي تتسبب بمقتل المدنيين وإلحاق الضرر بهم، أما الجرائم ضد الإنسانية فهي كل فعل محظور في إطار هجوم واسع على المدنيين.
وأضاف “الضيَعي” لراديو الكل أن اثبات جرائم الحرب والانتهاكات التي تحدث في سوريا بحاجة لجهد ضخم وعمل كبير، مشيرًا إلى اختلاف الوضع بين مسائلة مجرمي الحرب الذين هم أصحاب قرار وبين الأشخاص الذين ينفذون الأوامر إذ يستطيع أصحاب القرار القول إنه تصرف فردي من المنفذين للجرائم، والتي هي جرائم يُعاقب عليها القانون السوري بكل الأحوال.
لذا مسائلة أصحاب القرار هو أمر مُعقد وصعب ويحتاج لإيجاد دلائل دامغة تدلُ على ارتباط الفعل المُجرّم بالقرار الصادر، حسب “الضيَعي”.
يذكر أن أعداد القتلى المدنيين في سوريا بلغ أكثر من مئتي ألف شخص، فيما لا يزال يقبع داخل المعتقلات أكثرُ من مئة ألف شخص حسب آخر احصائيات الشبكة السورية لحقوق الانسان.
من جهتها أحصت الأمم المتحدة 5 ملايين لاجئ سوري وأكثر من 6 ملايين سوري نازح في الداخل، مشيرةً في أحد تقاريرها إلى أن الحرب بسوريا تخطت الحدود، خالقة مناخ من القلق في الكثير من الدول.