السوريون يعرضون منازلهم للبيع من أجل الهجرة.. ونقابيون وخبراء موالون يدقون ناقوس الخطر
انهيار في الأوضاع المعيشية وضغوط من الحكومة، وازدحام على فروع الهجرة
حذر نقابيون وخبراء تابعون للنظام من موجة هجرة جديدة تضرب البلاد بسبب انهيار الأوضاع المعيشية وإجراءات الحكومة بالتضييق على التجار والصناعيين وأصحاب المهن والحرف.
وقالت وزيرة الاقتصاد السابقة لمياء عاصي لصحيفة الوطن: موجة الهجرة انعكست على سوق العقارات من خلال العروض الكثيرة لبيع المنازل بدافع السفر.
ازدحام شديد على فروع الهجرة والجوازات
وأوضحت عاصي أن كثافة الإقبال على الهجرة بالنسبة للشباب السوري، يؤكدها الازدحام الشديد في فروع الهجرة والجوازات للحصول على جواز السفر، مؤكدة أن هذا ينطوي على خسارة كبيرة لأهم الطاقات والكفاءات الوطنية الشابة.
وقالت عاصي إن موجة الهجرة الجديدة للسوريين لها أسباب اقتصادية يعود معظمها إلى تراجع الإنتاج المحلي وغياب السياسات والمشاريع التنموية وتدني الدخل بشكل مريع، جعلت أغلبية الناس يقعون في براثن الفقر المدقع والعوز الشديد، إضافة إلى قلة فرص العمل أمام الشباب المقبلين على سوق العمل.
وأضافت عاصي: أصبحت سورية الأقل دخلاً في العالم، وبالتأكيد هجرة المنتجين سواء الصناعيين أم الحرفيين ستفاقم الوضع الاقتصادي لسورية وتستدعي سرعة في الإجراءات لمعالجة هذا الوضع الخطير.
سوريون يعرضون منازلهم للبيع
وحول تأثير الإعلانات عن بيع العقارات بداعي السفر في سوق العقارات قالت عاصي: انعكاس موجة الهجرة على سوق العقارات نلمسه في السوق العقاري، حيث نجد عرضاً كبيراً لا يقابله طلب مماثل، إذ إن أغلبية المواطنين في جانب الطلب لا يمتلكون الملايين المطلوبة كأسعار لهذه العقارات، ولكون أول خطوة تفرضها الهجرة هي تسييل الأصول الثابتة وخصوصاً العقارات وبسرعة كبيرة، ما يسبب انخفاض السعر مقوّماً بالعملات الأجنبية، وبالطبع ارتفاع أسعار العقارات بالعملة السورية هو نتيجة التضخم الكبير الذي تشهده البلاد.
ورأت عاصي أن المطلوب من الحكومة في هذه الفترة، العمل على تفكيك الأسباب التي دعت الناس للهجرة ولو جزئياً، وليس الإجراءات الزجرية والقسرية، ولعل أولها، رفع المستوى المعيشي للناس والقدرة الشرائية للدخل، وتحسين الخدمات المقدمة للناس ولاسيما الكهرباء ووسائل النقل، ورعاية مشاريع صغيرة لامتصاص البطالة وتخفيف حدة الفقر؛ لأن ارتفاع حجم الناتج محلياً هو المحرك الأساسي للعجلة الاقتصادية، والمعالجات جميعها يجب أن تكون وفق قوانين السوق.
هجرة النخب الاقتصادية وأصحاب المهن
بدوره الخبير الاقتصادي الدكتور عمار يوسف أكد خطورة الهجرة في هذه المرحلة، لكون الذين يهاجرون الآن هم النخب الاقتصادية وأصحاب المهن والحرفيون.
وأعاد يوسف السبب وراء ذلك إلى تضييق الحكومة على الصناعيين عبر القرارات المالية المتعلقة بالضرائب، إلى جانب الروتين القاتل الذي يتسم به القطاع العام، بالتوازي مع عوامل الجذب من التسهيلات الكبيرة التي تقدمها بعض الدول للمستثمرين السوريين كمصر، وتحقيق المناخ الأعلى للاستثمار لأصحاب رؤوس الأموال ورجال الأعمال.
الهجرة سببها تضييق الحكومة
وقال: المعادلة بسيطة: تضييق الحكومة عبر إجراءاتها وعدم توافر حوامل الطاقة التي ترتفع أسعارها كل فترة، مقابل المميزات المقدمة من دول أخرى إضافة لأرباح أفضل من الأرباح المحققة لهم في سورية، أي عامل جذب من الخارج وتنفير من الداخل.
وأشار يوسف إلى أن هجرة المهنيين والحرفيين نتيجة سوء الأوضاع المعيشية، حيث إنه لا يمكن لصاحب المنشأة أن يعطي راتباً يتجاوز 300 ألف ليرة تعادل نحو 100 دولار في حين إيجار البيت اليوم يعادل نحو 150 إلى 200 دولار، وفي دول الاغتراب يستطيع أن يحصل العامل على دخل يكفيه إيجار البيت، إضافة إلى مستلزمات المعيشة من أكل وشرب.
ووصف الوضع المحلي بأنه إخفاق اقتصادي كامل، وقال: نحن في المراحل الأخيرة، والدورة الاقتصادية لم تعد موجودة.
لا يوجد بيئة للاستثمار
وأضاف: الحديث عن الاستثمار يحتاج إلى تأمين مناخ استثمار يجذب المستثمر، في حين لا يمكن جذبه في وضع يعجز فيه عن تأمين مازوت لتشغيل معمله، ويكون غير قادر على الاستيراد إلا عن طريق (المركزي)، وهو ملزم بإعادة 50 بالمئة من قطع التصدير، ولا يستطيع أن يستورد إن لم يعده، وفي ظل كل العقوبات الجائرة.
وقال: قانون الاستثمار لا ينفع دون البيئة الاقتصادية المؤهلة لقانون الاستثمار وعلى رأسها حوامل الطاقة من مازوت وكهرباء وفيول وغاز، والأهم استقرار سعر الصرف أمام الليرة السورية، في ظل عدم إمكانية التحويل إلى الخارج ومن الخارج إلى الداخل.
وبيّن أن جذب رؤوس الأموال بحاجة إلى عملية تنمية مستدامة شاملة، وضمن هذا المعدل ذلك غير ممكن، مضيفاً: تستورد بسعر وإلى حين انتهاء المنتج يكون السعر اختلف واختلفت التكاليف، وعند الاستيراد من جديد يكون السعر ارتفع خارجياً، وعند رفع السعر داخلياً يصبح هناك كساد، وعند محاولة التصدير أصبحت هناك إجراءات إضافة للعقوبات المفروضة على الشعب، فتم الدخول في حلقة مفرغة غير قابلة للكسر، وبالتالي لا يمكن أن نقول إن لدينا استثماراً في سورية وهذا خطير جداً.
وشدد على ضرورة محافظة الحكومة على المستثمرين في السوق المحلية حالياً، أثناء محاولة الجذب لمستثمرين من الخارج، وقال: لا داعٍ للضرائب والإجراءات التنفيرية، وضرورة إعطاء بيئة استثمارية كي لا يفكر المستثمر بالهجرة.
ازدياد كبير على طلبات تتعلق بالهجرة.
ومن جانبه أكد رئيس الاتحاد العام للحرفيين ناجي الحضوة أن هناك ازدياداً كبيراً في طلبات الحرفيين وثائق لغاية السفر.
وقال لاحظنا في الفترة الأخيرة كثرة طلبات الحرفيين الذين يرغبون في استصدار وثائق إثبات حرفي أو شهادات حرفية لغاية السفر.
وأرجع رئيس الاتحاد سبب ازدياد هجرة الحرفيين وأصحاب الأيدي الماهرة إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج التي أصبحت كبيرة جداً نتيجة الحصار الأحادي الجانب على هذا القطر والذي أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الأولية، كما انعكس على زيادة التقنين في حوامل الطاقة التي أصبحت لا تلبي احتياجات الحرفي في تصنيع المنتج.
وأضاف: وبالتالي أصبحت قيمة المنتج النهائي مرتفعة ولا تتناسب مع القدرة الشرائية للمواطن، فأصبح أمام خيارين إما الهجرة للعمل في الخارج كي يسد رمق معيشته أو محاولته التعامل مع الوضع كما هو في الداخل.