هل هُزمت الثورة بفشلها في تحقيق التغيير السياسي أم أن الثورة هي ثورات متلاحقة؟
محللون: الثورة لم تسقط النظام ولكنها أوجدت وعيا وتغييرا لدى السوريين، وغد الحرية قادم لا محالة
بعد مرور عشر سنوات على اندلاع الثورة تكثفت تفاصيل وقائعها لدى السوريين بعناوين متعددة باتت محفورة بالذاكرة ولا تخف شدتها إلا بتحديد النتائج واستخلاص الدروس والعبر، وهذه المرحلة هي منطق التغيرات الكبرى لتحديد طبيعة الطريق والخطوات اللاحقة، فالثورة في السياق التاريخي هي ثورات متعددة، تحمل أهدافا واسعة ليس في التغير السياسي فقط، بل وفي المناحي الاجتماعية والاقتصادية والثقافية فمنها ما يتحقق ومنها ما يتراجع ومنها ما يتجمد أو يتلاشى.
ولعل تعدد الثورات في الثورة يرجع إلى الأسباب غير المباشرة والمتراكمة وحتى قبل وصول النظام إلى الحكم وبأشكال متعددة، حيث ظلت قضاياها جمرا تحت رماد عقودا من الزمن إن لم يكن أكثر، وهي تحمل في جنباتها نكوصا وفشلا في عبور المراحل المتخلفة إلى واقع متقدم، في حين أن التناقض والصراع بين سباق نحو الماضي إن لم يكن التلذذ باستجراره، وبين تسارع في القفز نحو المستقبل وقمع النظام وإرادة الشعب بالتغيير، ولدت جميعها لحظة الانفجار وسببه المباشر الرئيس هو رد فعل عفوي ومفاجئ على قمع النظام، وتكثفت عناوين الثورة في المطالبة بإنهاء نظام آل الأسد على اعتبارهم الأزمة، ولم تنطلق لذاتها بل كرد فعل مجتمعي لا يجمع تماسك البنى السياسية والثقافية.
الثورة اختزلت عناوينها في التغيير السياسي
تجمع عناوين السبب المباشر مع الأسباب غير المباشرة اختزل في شعار التغيير السياسي وسار على أساسه المحتجون السلميون متأثرين نخبويا بربيع دمشق الذي بدأ مع استلام بشار الأسد الحكم، ليكون ربيع سوريا، ومستلهمين أفكار ثورات الربيع العربي في كل من تونس ومصر خصوصا مع ما مثلته الدعوات للتظاهر عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو تشكيل تنسيقيات والاعتصام بالساحات من أسس للحراك.
تلاشي هدف التغيير السياسي أمام وحشية النظام والروس والإيرانيين
ومع بدء الحرب تلاشى هدف التغيير السياسي السلمي بهتافاته الأولى الشعب السوري واحد والشعب السوري ما بينذل، والشعب يريد تغيير النظام، وبدت سوريا مختلفة عما عرفت به، تتجه نحو مجهول منطلق من واقع جديد منقطع عن ماض ومؤسس لحقبة جديدة خفت معها صوت السوريين مع ارتفاع أصوات قصف دبابات ومدفعية وطائرات النظام والقوى التي استدعاها لمواجهة مؤامرة كونية شكلت مطالب الإصلاح غطاء لها كما روج وأشاع.
الوحشية التي واجه بها النظام المحتجين وبقوات وأسلحة إيرانية وروسية عكست خشية وحوش العالم من نجاحه الثورة بالتغيير السياسي ما قد يغير الخريطة الإقليمية، فهزمت الثورة بشعارها السياسي ولكن هل انتصر بشار الأسد؟
الواقع الآن يقول إنه كان صاحب الكلمة الأولى والآن هو آخر من يقرر، ولم تعد هناك مناطق تخضع لسيطرته بالمطلق كما كان بل يشاركه الآن فيها آخرون، وتحول إلى رئيس مسخ في أبشع حالاته.
السوريون مصرون على السير في طريق الحرية
ورأى المحلل السياسي الدكتور غزوان عدي أن الوضع في سوريا بات بيد القوى الكبرى، والسوريون لا يعانون من وجود النظام فقط بل من وجود قوى مثل روسيا وإيران مشيرا إلى أنه كيف يمكن للشعب السوري أن يقاوم هذه الاحتلالات في إطار هذا الواقع .. ويقول رغم الصعوبة في ذلك إلا أن إصرار الشعب السوري لم يتغير، ورغبته في الوصول الى الحرية والكرامة لم تتغير وغد الحرية قادم لا محالة ولا أحد يستطيع منع الشعوب من تحقيق إرادتها.
وقال الدكتور عدي إن الثورة جاءت منسجمة مع تطور التاريخ وما أعاق نجاحها هو وجود القوات الروسية والإيرانية وغيرها، وبالنتيجة جميعها هو يريد أمن إسرائيل، ولكن بنفس الوقت فإن وجود الاحتلالات في سوريا هو نقطة ضعف في المرحلة المقبلة والسوريون سيستثمرون هذه النقطة ويستطيعون تغيير الموازين ولكن على المستوى البعيد.
المعارضة السياسية لم تستوعب مدى تأثير التدخل الخارجي
وقال الدكتور غزوان عدي إن المعارضة السياسية لم تستوعب في البداية مدى تأثير تدخل القوى الخارجية لأن موازين القوى الداخلية كانت لمصلحة الشعب السوري بينما الموازين الخارجية كانت لمصلحة النظام، ولم تستطع قوى المعارضة تغيير موازين القوى الدولية وهذا المنحى ليس سهلا على الإطلاق خاصة إذا دخلت في إطار الحصول على رضا إسرائيل.
وأرجع الدكتور عدي فشل الثورة في تحقيق شعار التغيير السياسي لعوامل موضوعية أكثر منها ذاتية ولا سيما مع دخول إسرائيل على خط التدخلات، فهي أنقذت النظام مرتين الأولى حين حشدت الولايات المتحدة أساطيلها لضرب النظام بعد مجازر الغوطتين باستخدام الأسلحة الكيميائية، وطلبت تسليم السلاح الكيميائي والإبقاء على النظام والمرة الثانية حين دعمت تدخل الروس عسكريا ليس لحماية النظام فقط بل لحماية أمنها أيضا.
وقال الدكتور عدي نحن نستطيع العمل من أجل تغيير الموازين الإقليمية والحفاظ على أهداف الثورة في التغيير الوطني الديمقراطي من خلال إظهار الوجه المشرق للثورة السورية وكسب تعاطف شعوب مع قضية الشعب السوري.
الثورة التي تضع هدفها التغيير السياسي فقط ستفشل حتى وإن حققته
ورأى الكاتب والمحلل السياسي أحمد الرمح أن الثورة فشلت في مسارات مهمة وأولها هو عدم وجود قادة رأي عام بل أنها ومن خلال الانفعال الثوري قامت بتحطيم حالات ظهور قادة.
وقال الرمح إنه إذا كان هم الثورة وهدفها التغيير السياسي فقط فإنها ستفشل حتى لو أحدثت التغيير السياسي، ولذلك فإن الربيع العربي وإن لم يستطع إسقاط الأنظمة إنما أوجد وعيا وغير الشعوب
وأضاف الرمح .. نحن انشغلنا فقط بالتغيير السياسي ولم نعمل على مشروع وطني يؤسس لمشروع مدني يجعل الثورة مقبولة دوليا ولذلك فشلنا، والحل هو في أنسنة الثورة بعد أن توحشت في مراحل متعددة ولا سيما أنه تم السطو عليها من تيارات متشددة إذ أن الشباب الثائر لم يكن بذهنه حين قام بالثورة قضايا عقائدية بقدر ما امتلك شعارات الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.